هل هي صدفة أن يكون موعد زيارة رئيس ​الحكومة​ المكلّف ​سعد الحريري​ إلى ​موسكو​ في زمن زيارة المسؤول الأميركي ​ديفيد هيل​ إلى ​لبنان​؟ إذا كان لا يوجد صلة في الشكل، فإن المؤكد هو الترابط بين ملفات الحدثين.

فلنبدأ من ثوابت مُعلنة:

1-تريد كل من ​روسيا​ و​الولايات المتحدة الأميركية​ إبقاء الاستقرار اللبناني قائماً، ولو بالحدّ الأدنى، كما الحال اليوم.

2-يسعى البلدان إلى إستطلاع واقع الساحة اللبنانية: هل بالإمكان الإستمرار في ظل التخبّط اللبناني السياسي والإقتصادي؟.

3-هناك رؤية مشتركة بين كل من موسكو و​واشنطن​ بشأن مقاربة ملف الحدود اللبنانية الجنوبية لنزع فتيل الصراع مع ​اسرائيل​، وبالتالي تحديد مسار مسألة ​الغاز​ و​النفط​ المطروحة حالياً في إتجاهين متناقضين: لبناني وإسرائيلي.

4-يسعى كلا البلدين لترسيخ النفوذ في الساحة اللبنانية، علماً أن موسكو تسعى لوأد أي صراع في لبنان، بهدف تأمين الحديقة الأمامية للساحة السورية، حيث يتواجد الروس عسكريا وإقتصادياً.

وإزاء ذلك، يكرر المراقبون الكلام بأن لبنان لن يكون وحيداً. لكن هناك معلومات تتحدث عن ان زيارة هيل الى ​بيروت​ لا تتعلق بالملف النفطي فحسب، ولا بشأن ​ترسيم الحدود​ الجنوبية، بل تأتي في سياق وضع رؤية أميركية جديدة للشرق الأوسط. لا تريد واشنطن ان تستمر في ذات المسار الذي انتهجته الإدارات الأميركية السابقة، سواء الديمقراطية او ​الجمهورية​. ومن هنا يأتي المتخصص في الشأن اللبناني الى بيروت لوضع سيناريو حول سُبل تعاطي بلاده مع التطورات اللبنانية. صحيح أن الاستقرار هو مطلب دولي في بلد مهم جغرافيا واستراتيجياً للأميركيين وغيرهم، غير أنّ السؤال الذي طُرح في بعض الدوائر الغربية: هل ان الصيغة اللبنانية انتهت، وبالتالي لا إمكانية للعودة الى لبنان الحالي بكل المقاييس؟ ومن هذا السؤال طُرحت أسئلة وتكونّت فرضيات: هل يستمر دعم مؤسسات لبنانية؟ وماذا لو توقف دعم ​اللاجئين​ و​النازحين​ المتواجدين على الأراضي اللبنانية؟.

لذا، فإن زيارة هيل تكتسب اهمية، لأنها ستضع توصيات يرفعها لإدارته بشأن سيناريوهات سياسية ومالية وإقتصادية مرتقبة بشأن لبنان.

اما زيارة الحريري إلى روسيا، فتكتسب أهمية أكبر، لأنها تأتي في توقيت لافت وتحمل ملفات دسمة: سيطرح "الشيخ سعد" رؤيته ل​تأليف​ حكومة، أمام رئيس دولة تستطيع أن تطلب من المسؤولين اللبنانيين تقديم تنازلات جوهرية. كما ان الحريري سيثير موضوع ​الحدود البحرية​ اللبنانية الشمالية، بعد ترسيم السوريين للحدود الفاصلة بين البلدين، خصوصا ان الروس هم الذين سيستثمرون في حقول الغاز هناك. تستطيع موسكو أن تفرض حلاً مقبولاً لكل من بيروت ودمشق. علماً أن الحل يقتضي تواصل اللبنانيين مع السوريين لوضع إتفاق حدودي.

وإذا كان علاقة الروس بالحريري جيدة، فإن هناك من نقل في الآونة الأخيرة كلاماً يفيد بأن موسكو تحبّذ أن تكون حكومة لبنان تكنوسياسية لمواكبة التطورات الإقليمية بوعي وقدرة ومسؤولية. مما يعني أن زيارة الحريري الى موسكو ستوضح نقاط مجهّلة بين الفريقين. علما ان الروس هم القادرون وحدهم على التواصل مع كل محيط لبنان الجيوسياسي، وبكل اتجاه.

كما ان واقع تعاطي الروس مع الإقليم، اثر زيارات ​وزير الخارجية​ الروسية ​سيرغي لافروف​ الى ​السعودية​ و​الإمارات​ ومصر، يؤكد ان موسكو باتت لاعبة أساسية في الإقليم، وهي التي تشكّل دافعاً حقيقياً لتأمين الإنفتاح على الشرق: من دون دور الروس لا قدرة للصين على التواجد في الإقليم لا اقتصادياً ولا سياسياً.

كل ذلك يؤكّد أن لقاءات هيل في لبنان وزيارة الحريري الى روسيا تشكّل دافعاً كي لا يبقى الجمود السلبي قائماً في لبنان. فلننتظر قليلاً لإتضاح الأفق في ظل أزمة معيشية صعبة جداً في لبنان، يؤكدها واقع انهيار سعر صرف ​الليرة​ من جهة، ومشاهد الطوابير أمام الافران و​محلات​ المواد الغذائية ومحطّات ​البنزين​.