بغضّ النظر عن طبيعة الإعتداء الذي إستهدف محطّة "نطنز" النووية، التي تقع في ​صحراء​ محافظة ​أصفهان​ وسط ​إيران​(1)، الأكيد أنّ إسرائيل تواصل سياستها الإستفزازيّة ضُد إيران. فهل ستردّ ​طهران​ هذه المرّة بعنف، بعد أن صارت لائحة الإستهدافات الإسرائيليّة لها طويلة؟.

بداية، لا بُدّ من التذكير أنّ إستهداف إسرائيل للبرنامج ​النووي الإيراني​ ليس بجديد، حيث أنّ العقد الماضي شهد سلسلة من الهجمات لمحطات ومصانع إيرانيّة مرتبطة بهذا البرنامج عبر فيروسات إلكترونيّة، وسلسلة من عمليّات الإغتيال التي طالت علماء في الفيزياء النووي(2). وليس بسرّ أيضًا أنّ إسرائيل شنّت مئات الضربات ال​صاروخ​يّة على أهداف ​عسكري​ّة في ​سوريا​ في العقد الماضي، أغلبيّتها تعود إلى جماعات مُسلّحة مَحسوبة بشكل مباشر أو غير مباشر على إيران(3)، منها ضربة كبيرة وقعت في منطقة البوكمال في سوريا والتي تتمتّع بقيمة إستراتيجيّة، لأنّها تُشكّل مَمرًّا بريَّا للإمداد اللوجستي من ​العراق​ إلى سوريا، أي عمليًا من ​الحرس الثوري​ في إيران وُصولاً إلى "​حزب الله​" في ​لبنان​ عبر أراضي كلّ من العراق وسوريا. وكل هذه الإعتداءات الإسرائيليّة بقيت من دون ردّ إيراني يُذكر، علمًا أنّ إيران توعّدت بعد إعتداء "نطنز"، بأن يكون الردّ "من داخل أرض مَن نفّذ الإعتداء".

بالنسبة إلى حرب ضرب الناقلات و​السفن​ البحريّة فهي تصاعدت في الفترة الأخيرة، مع التذكير أنّ جُذورها تعود إلى سنوات مضت، وال​تقارير​ الإستخباريّة الغربيّة تتحدّث عن أنّ 12 ​ناقلة نفط​ إيرانيّة على الأقلّ تعرّضت لهجمات إسرائيليّة خلال السنوات القليلة الماضية، عبر ​الألغام​ البحريّة بشكل خاص، وذلك بهدف قطع مُحاولات نقل ​النفط​ وبيعه، خارج الأسواق العالميّة المَعروفة. في المُقابل، تعرّضت سفينة ملكيّتها إسرائيليّة، لهجوم في خليج عمان في آذار الماضي، حيث جرى تثبيت لغم على هيكل ​السفينة​ الخارجي، في عمليّة قوّات خاصة بحريّة نُفذت ليلاً على الأرجح، بحسب التقدير الإسرائيلي. وأمس الثلاثاء تعرّضت سفينة إسرائيليّة لهُجوم بصاروخ قبالة سواحل دولة ​الإمارات​، الأمر الذي رفع مَنسوب التوتّر في المنطقة، ودفع القوى العسكريّة الإسرائيليّة والإيرانيّة إلى إستنفارات مُتبادلة. تذكير أنّه في العام 2019، تعرّضت ناقلات نفط أجنبيّة لهجمات مُماثلة في خليج عمّان، وقد جرى في حينه إتهام إيران بضرب هذه الناقلات عبر عبوات جرى تثبيتها مغناطيسيًا على هياكلها، لكن تمّ إعتبار هذه الضربات في إطار الردّ الإيراني على الحصار الأميركي المَفروض عليها.

إشارة إلى أنّ الهدف الإسرائيلي من إستهداف محطّة "نطنز" النووية في هذا التوقيت، هو إفشال المُحادثات القائمة في "​فيينا​" والتي تسعى فيها إيران إلى رفع العُقوبات الأميركيّة عنها، والعودة إلى الإتفاق الدَولي الذي كان قد جرى توقيعه في العام 2015(4). وبالتالي، إيران التي تُدرك هذه الخلفيّة، مُضطرّة لأن يكون أيّ ردّ من قبلها محدودًا، ولا يُعطي إسرائيل ذريعة إضافية لرفع مُستوى المُواجهة. فإذا كان الهدف الإسرائيلي هو منع إيران من إمتلاك ​السلاح النووي​ بأي ثمن، فإنّ الهدف الإيراني هو إنجاح المفاوضات الرامية إلى رفع العُقوبات مُجدّدًا عنها، والعودة إلى "الإتفاق النووي" الذي تبيّن من خلال التجربة الميدانيّة أنّه صبّ في صالح طهران، في حين أنّ العُقوبات أسفرت عن تدمير ​الإقتصاد​ الإيراني وعن تعميم ​الفقر​ و​البطالة​ عن إنهيار العملة، إلخ. وبالتالي، لن تُسارع إيران إلى منح إسرائيل أي فرصة لرفع مُستوى الإحتكاك الأمني بينهما، على الرغم من الضرر المَعنوي الكبير اللاحق بها، نتيجة إحتفاظها بحقّ الرد على الرغم من كل الإعتداءات الإسرائيليّة بحقّها، وهي التي لا تتوانى ليل نهار عن الحديث عن إزالة إسرائيل من الوُجود!.

من جهة أخرى، من الضروري الإشارة إلى أنّ إسرائيل تعمل حاليًا بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي، وبكل ما لها من مَكانة في الولايات المُتحدة الأميركيّة، على عرقلة المساعي الإيرانية الهادفة إلى رفع العُقوبات عنها، وهي تُهدّد باللجوء إلى خيارات عسكريّة في حال كانت الإجراءات الغربية ضُدّ إيران غير كافية لوقف برنامجها النووي. وقد بلغ الأمر ب​الجيش الإسرائيلي​ حدّ الكشف عن خطط عسكريّة باتت جاهزة لضرب إيران عسكريًا. لكن عمليًا، لا تستطيع أغلبيّة الطائرات الإسرائيليّة الوُصول إلى الأراضي الإيرانيّة، بإستثناء عشرات قليلة منها في الخدمة، ناهيك عن أنّ إيران تملك واحدة من أقوى منظومات الدفاع الجوّي في كامل منطقة ​الشرق الأوسط​. وقد قرّرت إسرائيل في الماضي القريب، شراء مجموعة حديثة من الطائرات الهُجوميّة، ومن الطائرات المُخصّصة لتعبئة خزانات فيول الطائرات خلال التحليق في الجوّ، إستعدادًا لأي تطوّرات عسكريّة مُحتملة في المُستقبل.

في الخلاصة، الإحتكاكات الإسرائيليّة-الإيرانيّة ستبقى قائمة في المَدى المَنظور، لكنّ أيّ مُواجهة كبرى بين الطرفين لن تحصل في المدى المَنظور، طالما أنّ ما يُمكن أن تكسبه إيران في المُفاوضات مع الغرب بشأن ملفّها النووي أكبر بكثير ممّا يُمكن أن تكسبه من أيّ ردّ عسكري ضُدّ إسرائيل، وطالما أنّ إسرائيل لن تلجأ بدورها إلى الخيار العسكري الشامل ضُدّ إيران إلا في حال وُصول هذه الأخيرة فعليًا إلى مرحلة إنتاج القنبلة النوويّة.

(1) إيران قالت إنّ شخصًا خائنًا عطّل نظام تدفّق ​الطاقة​ في المحطّة، وأنّ الأضرار محدودة، بينما ذكرت تقارير إعلاميّة غربيّة أنّ إنفجارًا دمّر نظام الطاقة الداخلي الذي يُزوّد أجهزة الطرد المركزي في باطن الأرض، والتي تُخصّب اليورانيوم، ما تسبّب بخروج المحطّة عن الخدمة.

(2) من هؤلاء العلماء محسن فخري زاده، ​مصطفى أحمدي​ روشن، داريوش رضائي، مجيد شهرياري، ​فريدون عباسي​ ديواني، مسعود علي محمدي.

(3) في العام 2020 الماضي وحده، شنّت إسرائيل 39 غارة في سوريا، أصابت 135 هدفًا.

(4) قبل أن تنسحب منه ​أميركا​ في العام 2018، في عهد الرئيس الأميركي السابق ​دونالد ترامب​.