لا تعني مغادرةُ مساعد ​وزير الخارجية​ الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ​ديفيد هيل​ موقعه الرسمي قريباً، بأنّ زيارته الحالية الى ​بيروت​ هي لوداع ال​لبنان​يين، ولا هي تُصنّف في إطار الشكّليات الفولكلورية التي لا حساب لها في الأداء الدبلوماسي الأميركي. الحقيقة أنّ آخر زيارات هيل تُشبه سابقاتها، قبل أن يسلّم منصبه الى خليفته فيكتوريا نولاند: إستطلاع وحث وتحذير وفق الرؤية الأميركية لإيجاد حل للنزاع السياسي اللبناني في زمن تفتح فيه ​واشنطن​ صفحات دولية جديدة، سيتردد صداها في الإقليم، من الإنسحاب الأميركي من ​أفغانستان​، وصولاً إلى المفاوضات النووية المرتقبة مع ​إيران​. ربما أراد الأميركيون أن يقولوا للبنانيين والروس: نحن هنا. في وقت تنفتح فيه ​موسكو​ على عواصم الإقليم من باب تسويق تسويات لحل أزمات موجودة، كما بدا في زيارات وزير خارجية الإتحاد الروسي ​سيرغي لافروف​ الى عواصم الإقليم. خصوصاً أن موسكو التي تستقبل حالياً رئيس الحومة المكلّف ​سعد الحريري​، ستستقبل بعده ايضاً مسؤولين لبنانيين.

ومن هنا ارادت واشنطن التأكيد بأنها لم تترك الملف اللبناني، ولا هي سحبت يدها من لبنان، بدليل ما ورد في لقاءات هيل الذي ركّز على الإصلاح اللبناني، مستعيداً وقائع محطّات ماضية بشأن وجوب تنفيذ هذا العنوان. لم يحمل المسؤول الأميركي جديداً في جعبته، لا بل جاء يكرّر ذات الموقف من دون أيِّ تعديل: شكّلوا حكومة إصلاحية تسمح بجذب الأموال عبر ​صندوق النقد الدولي​ والمساعدات الدولية. وكأن هيل يذكّر اللبنانيين بأن عدم مراعاة الإصلاح في شكل وبرنامج وجوهر عمل ​الحكومة​ لن يؤدي الهدف في إنقاذ البلد من الإنهيار المالي.

يعزّز كلام هيل موقف الحريري ضُمنياً، ويخدمه في مطالباته ​تأليف​ حكومة غير سياسية وبعيدة عن التقاليد التي كانت سائدة في المرحلة الماضية في لبنان. لكن هل يساهم الموقف الأميركي في الدفع لتأليف حكومة؟.

لا يبدو أنّ هناك مؤشرات توحي بحلٍ قريب، لأسباب عدّة أهمها:

أولاً، هناك تهيّب داخلي بشأن تأليف حكومة لا تخضع للشروط الدولية التي أعاد هيل الإشارة إليها خلال لقاءاته.

ثانياً، يترقب ​اللبنانيون​ مسار المفاوضات المرتقبة بين الأميركيين والإيرانيين، وهو سيؤدي الى صياغة إتفاق بين واشنطن و​طهران​ حُكماً، مما يعكس أصداء إيجابية في ساحات الإقليم، وتحديداً في لبنان.

ثالثاً، لم تصل اي إشارة خليجية مشجّعة الى لبنان توحي بدعم الحكومة العتيدة التي سيرأسها الحريري، رغم كل المساعي المصرية في هذا المجال.

رابعاً، هناك من يقول إن ​الإنتخابات النيابية​ آتية بعد سنة، من دون أيّ تأجيل يُذكر، وهي سترسم معالم المرحلة السياسية ​الجديدة​، مما يشجّع قوى على عدم الاستعجال في تأليف حكومة حالياً، للتفرغ لخوض ​الانتخابات النيابية​ بخطاب جماهيري شعبوي غير سلطوي.

وعليه، لا توحي المعطيات بوجود إضافات على الأفكار، الا اذا كانت موسكو تنوي إستكمال مشاريعها التسووية، فتفرض حلاً موقتاً في لبنان