لا شكّ أَنّ التّقهقُر السّياسيّ –القضائيّ– المعيشيّ في لُبنان، المُزمن مُنذُ 17 تشرين الأَوّل 2019، بات تعطيل صاعق القنبلة الموقوتة فيه، أمرًا مُلحًّا في ظُلّ تنامي خطّ ​الفقر​ وشموليّته، بعدما انضمّت إِلى خطّ الفقر، فئةٌ كانت حتّى الأَمس القريب، كانت تُعدّ مِن مُتوسّطي الدّخل... فمالوا إِلى الفقر!.

فخطوة رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ الأَخيرة، القائمة على تحميل تعديل قانون التّفاوض البحريّ إِلى الحُكومة ​الجديدة​، وكذلك إِرجاء فكرة التّدقيق الجنائيّ إِلى الحُكومة الجديدة أَيضًا، إنّما يصبّان في خانة مُساهمة الرّئاسة الأُولى في تسهيل ولادة ​الحكومة​ لمُنتظرة طويلًا... وفي هذا السّياق يبقى السُّؤَال: هل ثمّة عراقيل بعد، تحول دون ​الولادة​ الحُكوميّة ولو قيصريًّا؟.

وعلى خطٍّ آخر، وخلافًا لصولات رّئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ وجولاته... والّتي لن تأتي بثمارها قبل التّشكيل الحُكوميّ، فقد تكسر زيارة رئيس حُكومة تصريف الأَعمال حسّان دياب قطر، الجُمود السّياسيّ، على أَمل أَن تكسر تاليًا الحصار الخانق... وهُنا ثمّة سُؤالٌ آخر يرتسم ومفادُه: هل تُشكّل خطوة دياب، بعض مُتنفّسٍ للُبنان المُغرق بالأَزمات السّياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة؟...

وإذا كانت الأَسئلة في السّياسة مُحدّدةً ومحصورةً بوجع النّاس على رُغم هَول ذك الوجع... فإِنّ الأَسئلة ذات الصّلة ب​القضاء​ اللُبنانيّ، لا نهاية لها، وقد حاول بعضُ الإِعلام اختصارها في محاور مُحدّدةٍ، غير أَنّها تبقى عصيّةً على أَن تُحدَّد... ومنها الآتي، على سبيل المثال لا الحصر: "هل مجتمعنا في خيرٍ؟، هل هو حقًّا يريد كشف مَن سرق أَمواله؟، أَم أَنّه كما دائمًا... يُريد حماية طائفته أَوّلًا وزعيمه ثانيًا؟... ولماذا يُمعِن سياسيُّونا، جلسةً بعد جلسةٍ، واقتراحًا بعد اقتراحٍ، في تمييع القانون؟... وهل قضاؤُنا في خيرٍ؟، وقُضاتنا يُعيَّنون مِن مراجع سياسيّةٍ، تتخاصم فيتخاصمون وتتصالح فيتصالحون؟... ويبقى السُّؤال الأَكبر، المُلامس عتبة التّشكيك... ومفادُه: هل قُضاتُنا في خيرٍ، ولم نجد لهم حُكمًا واحدًا في ملفّ فسادٍ يُدحرج رُؤوسًا كبيرةً"؟.

وإِذا كان ​الفساد​ –في مفهومه العامّ- هو إِساءة استخدام السُّلطة العامّة لأَجل ​تحقيق​ فوائد شخصيّة... فإِنّ الفساد القضائيّ، في مفهومه الضيّق المُتعارف عليه، هُو استعمال الصّفة والنُّفوذ في تحقيق منافع شخصيّة، سواء أَكانت ماديّةً أَم مُتعلّقةً بالوظيفة. ومن ثمّ كان التّمييز بين ثلاثة أَصنافٍ من الفساد وهي: الفساد الماليّ، والفساد الإِداريّ (أي الفساد الّذي يتمثّل في توجيه القاضي قراره القضائيّ لخدمة أَصحاب النُّفوذ السّياسيّ، وليس تطبيقًا للقانون لغاية الحصول على منافع وظيفيّةٍ خاصّةٍ كالتّرقية الوظيفيّة أَو على منصبٍ سياسيٍّ) والفساد الخُلُقيّ.

ويُؤدّي انخراط القاضي في هذا الفساد، وأَيًّا كان تصنيفه، إِلى المسّ بأَهليّة انتمائه إِلى المهنة القضائيّة بما يستدعي مُحاسبته، وهو أَمرٌ يطرح السُّؤال عن دور الجهات المُشرفة على القضاء في تحقيق تلك المُحاسبة!.

إنّه مُثلّث كسر الجُمود سياسيًّا، معيشيًّا وقضائيًّا، يُعمل له، ومِن دون تنسيقٍ، في ​بعبدا​ والسّرايا والقضاء، بيد أَنّ في ​لبنان​ لا شيء مضمون النّتائج، والمثل القائل: "إِسعَ يا عبد كي أَسعى معك، لا يلقى صداه في شكلٍ مُؤكّدٍ عندنا، فالأَدوات والوسائل لدى سعاة التّعطيل والتّضليل، أَفعل وأَنجع وأَجدى... مِن مساعي السّاعين إِلى خلاص الوطن مِن كبوتِهِ، ولكنّ الكلمة الأَخيرة لم تُقَل بعد، فلعلَّ وعسى...