شاء الله أن يتزامن ​شهر رمضان​ الكريم، وأبناء ​الكنيسة الأرثوذكسية​ مازالوا يجاهدون في صيامهم الأربعيني المقدّس. وكان إخوتنا أبناء ​الكنيسة الكاثوليكية​ ذاقوا طعم ​الصوم​ وعيّدوا ​الفصح​ ليس من زمن بعيد.

لست في هذه السطور في وارد التطرّق إلى الموضوع بطريقة شعرية وإنشائية، وعلى طريقة التزلف الذي يمتهنه كثر، بتبادل لياقات مصطنعة واجهها حلوٌ وباطنها مرٌ وخبثٌ.

أود الإشارة أولاً إلى أن الصوم ممارسة جليلة لم تخلُ منها شريعة من الشرائع السماوية إذ ترقى بها النفوس وتصفو وتزكو. وقد أشار ​يسوع المسيح​ إلى أهمية الصوم لإخراج الشر من الإنسان: فَقَالَ لَهُمْ: "هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ"(مر 9: 29). والصوم في ​الإسلام​ من أشكال التسليم لله، خلاله تدرب النفس وتُروّض على طاعة الله تعالى وتقواه. وقد جعل الله تعالى صوم رمضان ركنًا من أركان الإسلام.

المسلمون​ يؤمنون أنه في شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، وتفّصد (تشقّق) الشياطين.

جئت في هذه الإطلالة للإضاءة على معاناة الصائمين الذين يجاهدون في سبيل نقاوة النفس وطهارة الجسد. جئت متأثرًا بما بدأت تعرضه الشاشات من أجواء رمضانية تنقل أوضاع الناس الصعبة في هذا الشهر الفضيل، ومستذكرًا ما عرضته نفس الشاشات من اوجاع الناس الذين ينتمون إلى ​المسيحية​. آملاً أن تستمر هذه الشاشات في عرض مصاعب اليائسين، ليس فقط في المناسبات الدينية.

جئت لأدعو في هذا ​الصيام​ أن نعمل لعيش المعنى الحقيقي له والذي لا خلاف حول أهدافه في العطاء أو الزكاة.

إنه وقتٌ موافق لكي يستفيق الأغنياء من ثباتهم العميق ويحركوا قلوبهم للتصدّق على المعوزين والمهمشين والمعدومين.

أتقياء الله قديمًا، مسيحيين ومسلمين، اعتادوا على استفقاد الناس في بيوتهم ليلًا لكي يُحسب لهم أجرًا عند الله. وقد علّمنا الإنجيل: وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ"(مت 6: 3)، وفي ​القرآن الكريم​ ورد: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) (آل عمران).

إتقوا الله يا عبيد الله. زكّوا. تصدقوا. أحسنوا. شعبنا يئِس خطابات وملَّ من الوعود الكاذبة. شعبي يستغيث لقمة العيش، شعبٌ صومتموه غصبًا، ومنذ أكثر من سنة ونصف، وانتم يا قادة هذا البلد تتصارعون وتتناطحون على حساب هذا الشعب المسكين.

الصوم المقبول هو الذي يطهّرنا من خطايانا ومن ذنوبنا. من هنا أناشد الصائمين والذين صاموا، وخصوصًا السياسيين، أيًا كان إنتماؤهم، أن يعودوا إلى الله ويكفّروا عن ذنوبهم التي اقترفوها ويقترفونها كل يومٍ، بالقول والفعل والفكر. لا تصوموا عن أشياء تحبّونها، إنما صوموا عن أشياء لا يحبّها ربّكم فيكم. عودوا إلى ضمائركم، علَّ الرب يزيل عنّا هذا الوباء وهذا البلاء.

دعائي أن نبلغ فجر القيامة لهذا البلد من محنته، وأن يستمطر الله موائد الرحمان على عبيده، وتنزل على أولياء الأمر آيات الحكمة الإلهية ليصلوا في هذا البلد إلى الشاطئ الأمين.