تزدحم أجندات العواصم الإقليمية بجملة محطّات مفصلية، توحي بأن خريطة سياسية جديدة تُرسم الآن في مفاوضات بدأت لترتيب توازنات الإقليم:

أولاً، يجزم المطّلعون أنّ الإتفاق النووي بين الأميركيين وال​إيران​يين حاصل، وقد بدأت طلائعه تتّضح عبر المضي برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية، وسط مفاوضات تحضيرية غير مباشرة بين ​طهران​ وواشنطن، بدأت منذ أسابيع عبر رئيس الوزراء العراقي ​مصطفى الكاظمي​ بشكل أساسي. وبالإنتظار، ترصد العواصم الغربية نتائج الإنتخابات الإيرانية: هل يكون المرشح الرئاسي الفائز مُتشدّداً؟ يبدو الغرب مطمئناً إلى وجود قرار مشترك عند كل من الأميركيين والإيرانيين بالوصول الى الإتفاق، بغض النظر عن شخصية الرئيس العتيد. تريد إدارة الرئيس الأميركي ​جو بايدن​ ​تحقيق​ إنجاز بحجم التسوية مع إيران، وتسعى طهران أيضاً لإزاحة عبء الحصار والعقوبات المفروضة عليها لتحقيق راحة إقتصادية في البلاد.

ثانياً، أظهر الكلام الودّي الذي أطلقه ​ولي العهد السعودي​ الأمير محمد بن سلمان تجاه إيران أنّ ​الرياض​ قرّرت مواكبة التسوية الدولية المرتقبة عبر تبريد السخونة مع طهران، خصوصاً أن الأمير الشاب يحاول رفع مكانة المملكة اقتصادياً بعدما جرى إستنزاف قدراتها في حرب اليمن. مما يعني أن الكلام الإيجابي الذي قاله بن سلمان بحق الجمهورية الإسلامية يُفترض أن يفتح الباب للنقاش السعودي-الإيراني في حوار استراتيجي هام: متى؟ كيف؟ فلننتظر.

ثالثاً، تعود دمشق تدريجياً للعب دور إقليمي، خصوصا على الخط السعودي-الإيراني. تتحدث المعلومات عن زيارات خليجية الى العاصمة السورية، ستؤدي الى اعادة الرياض فتح سفارتها في دمشق، كما كانت فعلت ​أبوظبي​ سابقاً. واذا كانت واشنطن تتجاهل الإنتخابات الرئاسية السورية، وهو مؤشر مهم لغياب التهجّم أو التصويب على ​الرئيس السوري​ بشار الأسد، فإن العواصم الإقليمية تدعم اي خطوة لإتمام الاستحقاق السوري بنجاح. لذا، ستعود الشام لمساحة الحل والربط في الإقليم: ماذا عن ​لبنان​؟ ستظهر الترددات في ٢٠ الشهر الجاري خلال الإنتخابات الرئاسية السورية خارج البلاد. سنرصد مشهد ​السفارة السورية​ في لبنان بإزدحام ناخبين أكثر مما حصل عام 2014.

رابعاً، توحي الإجتماعات المصرية-التركية أن البلدين قرّرا فتح صفحة جديدة من العلاقات التي كانت ساءت بعد إسقاط الرئيس المصري السابق ​محمد مرسي​. مما يعني أن حركة "​الإخوان المسلمين​" ستكون أكبر المتضررين من تلك الخطوة التقاربية.

خامساً، يترقّب لبنان مسارات الإقليم: من يكسب؟ من يدفع ثمن التسويات المرتقبة؟ يبدو أنّ موازين ​الحكومة​ العتيدة ستتأثر بما تحمله متغيرات الإقليم، رغم ان التوازن اللبناني، الطائفي تحديداً، يمنع كسر أي فريق. فلنفترض أن معادلة سين-سين عادت إلى ​الحياة​، فهل يمكن مجابهتها؟ لا يملك أي فريق حق الفيتو، لا على شكلها ولا على مضمونها. لا بل سيجري التسويق لها بإعتبارها المخلّص.

وهكذا يُصبح البلد مجدداً أسير التوافقات الخارجية. ومن هنا، سيتقارب المتخاصمون في لبنان، في تكرار لمحطّات سابقة، ويجري ​تأليف الحكومة​ في بضعة أيام حينها. لا ​رئيس الجمهورية​ ميشال عون وفريقه سيتموضعون في خانة الخسارة، ولا رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ سيكون في ذات الخانة، وحدهم الذين جلسوا على التلة يراقبون، كحال حزب "القوات" سيخسرون. ربما. لا مع ستي بخير ولا مع جدّي بخير.