"لم تلزّم المناقصة لعدم مشاركة أي عارض".

هي الجملة التي يتكرر إستعمالها بشكل شبه يومي على محضر إستلام العروض في إدارة المناقصات. جملة تلجأ اليها اللجان في تقاريرها لتبرير عدم تلزيم المناقصة. عدم تلزيم المناقصات الذي وصلنا اليه هو أمر كارثي بالنسبة الى بعض المؤسسات والإدارات، وقد يؤدي الى شلها بشكل تام، والمثال المؤسف على ذلك ما يحصل في ​المديرية العامة للدفاع المدني​ ونحن على أبواب فصل الصيف وحرائقه الملتهبة.

نعم ​الدفاع المدني​ يعاني الأمرّين لتعبئة آليات الإطفاء وسيارات الإسعاف بمادتي ​المازوت​ و​البنزين​، وقد وصل به الأمر بحسب مصادر متابعة للملف، الى الإتكال على تبرعات فاعلي الخير في المناطق لتعبئة الآليات بالمحروقات وتسيير الأعمال، علماً أن سبب المشكلة ليس مادياً، ولا لأن المديرية لا تملك الأموال. ففي ​تفاصيل​ ​الأزمة​ المذكورة، أعلنت إدارة المناقصات في السادس عشر من شباط الفائت عن مناقصة تفض عروضها في الثاني والعشرين من آذار الفائت لتلزيم شراء مادتي البنزين والمازوت لزوم المديرية العامة للدفاع المدني، وعلى رغم تخفيض إدارة المناقصات في ​التفتيش المركزي​ لقيمة ​التأمين​ المالي الموقت الذي كان يجب على العارضين دفعه للمشاركة في المناقصة (25 مليون ليرة لمادة البنزين و25 مليون ليرة لمادة المازوت) لم يتقدم ولو عارض واحد بعرضه ولم تلزم المناقصة. لهذه المشكلة أسباب عدة، يقول العارفون، أولها إنهيار العملة الوطنية مقابل الإرتفاع الجنوني لسعر صرف ​الدولار​، الأمر الذي يجعل العارضين غير متحمسين للمشاركة في مناقصة، سيتقاضون أموالها من الدولة ال​لبنان​ية ب​الليرة اللبنانية​ بينما سيضطرون الى إستعمال دولاراتهم النقدية لتغطية النسبة غير المدعومة من ​أسعار المحروقات​. اما السبب الثاني، فهو توقف ​المصارف​ عن إعطاء المقاولين والمتعهدين الكفالات المالية التي يقدمها المشارك بالمناقصة للإدارة المعنية، الأمر الذي يجعل من العارضين مضطرين الى دفع هذه الكفالات التأمينية من جيوبهم.

وبالإضافة الى هذه المشكلة المادية، هناك مشكلة خلافية بدأت منذ سنة ونصف ​السنة​ بين المديرية العامة للدفاع المدني و​وزارة الداخلية والبلديات​، وهنا تفيد المعلومات بأن وزير الداخلية ​محمد فهمي​ يصر على مبدأ ان تشتري المديرية المحروقات من المنشآت النفطية التابعة ل​وزارة الطاقة​، لأن أسعارها أقل من أسعار أي شركة خاصة، في المقابل تعتبر المديرية أن شراءها المحروقات من المنشآت لا ينهي المشكلة لأن المنشآت تبيعها من دون توزيع، أي من دون صهاريج تنقلها الى الخزانات، ومن دون محطات تخزنها وتبيعها، ما يعني عملياً ان المديرية ستضطر الى دفع تكاليف التوزيع والنقل والبيع وهي لا تملك، لا صهاريج ولا خزانات ولا محطات وقود. وسط هذا الإختلاف في وجهات النظر، وكي لا يبقى الدفاع المدني من دون محروقات، إقترحت المديرية ان يشتري ​الجيش اللبناني​ المحروقات لصالحها مقابل أن تدفع هي ثمنها، وأن ينقلها الجيش الى محطاته ويخزنها في خزاناته، عندها، تعمل آليات الدفاع المدني على تعبئة آلياتها من محطات الجيش.

كل هذه الأزمة بتفاصيلها يجب أن تحل قبل حلول الصيف، لماذا؟ لأن الكارثة ستقع عند نشوب أي حريق كبير. عندها سيتفرج الجميع على لبنان يحترق، وسنكون من جديد امام مشهد تقاذف المسؤوليات بين المسؤولين والسياسيين.