ماذا ينتظر ​لبنان​، شعباً وقادة، كي يستفيق على ما يدور حوله في العالم من أحداث وتطورات وبرامج سياسية " تطبخها" الدول الكبرى للدول النامية والمشرذمة سياسياً. وفي وقت يفشل فيه الحكّام في الإتفاق على ​حكومة​ تنتشل شعب لبنان من الجوع والتهجير في بلاد الله الواسعة، و​الجمهورية​ من قعر الإنهيار، يتلهى الشعب "بعراضات" سياسية فولكلورية تعيد الى الأذهان صور ​الحرب اللبنانية​، فيبدو فيه شعباً يعيش في "التاريخ" غير قادر على ركوب قطار التقدّم، كرمى لعيون "الزعيم".

لبنان "شعباً وقادة" يعيش حالة "كوما" في ​السياسة​ الدوليّة، في الوقت الذي يواصل فيه قادة العالم رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، هي نفسها التي تحدثت عنها وزيرة ​الخارجية الأميركية​ السابقة ​كوندوليزا رايس​، خارطة تُقسَّم فيه ​الدول العربية​ على شكل دويلات طائفيّة، حصة لبنان منها دولتين، شيعيّة ومسيحيّة-درزية، ليعود لبنان الى نفس الخارطة قبل مئة عام: متصرفية ​جبل لبنان​، للمسيحيين و​الدروز​، وأرض الولاية للطائفة الشيعية، بحسب ​التقارير​ الواردة من ​واشنطن​، والتي لم تشِر الى مُدن الطائفة السنيّة. والمستهجن في الأمر انّ لبنان لم يتلقّف هذا البرنامج مع ان القادة قد سمعوا فيه جدياً.

اسرائيل​ ستزول كدولة، لتحلّ محلّها ​الدولة اليهودية​، هكذا تحدثت التقارير، و​العراق​ و​سوريا​ الى أقاليم طائفية، كذلك ​اليمن​ و​ليبيا​. وأضافت المصادر، ان تنفيذ هذه الخارطة لن يكون بين ليلة وضحاها، بل سيستغرق سنوات بدأت منذ عام 2011 مع ​احتجاجات​ شعوب المنطقة المطالِبة بإصلاحات وحقوق، لتتحوّل الى "فوضى خلاّقة" صنعتها الإستراتيجيات ​الجديدة​، فاستفادت منها ​الولايات المتحدة​ لتبني إمارتها في ​الشرق الأوسط​، ويضيف المصدر، ان عام 2022 سيكون أصعب من عام 2021.

لبنان لم يعرف ربيعاً عربياً كما سوريا وليبيا واليمن، لأنه في الأصل مسرحاً لكل اللاعبين الإقليميين، بدليل انه لم يبقَ رئيس دولة الا وتدخّل من أجل ​تأليف الحكومة​. زعماء ​الطوائف​ وعلى رأسهم سيّد ​بكركي​، البطريرك ​مار بشارة بطرس الراعي​، لا يسعه الا بيع "الأمل" لأبناء الطوائف المسيحية، وهو يعرف تماماً ان اللعبة السياسية أكبر منه بكثير. فبعد ان أطلق مبادرة الحياد وال​مؤتمر​ الدولي بدعم من ​الأمم المتحدة​، نُصح من قِبَل ​الإدارة الأميركية​ بدعوة السفراء المعتمدين في لبنان الى مؤتمر يُعقد في بكركي، فيطرح كل سفير موقف دولته، لأن "مشروع" المؤتمر الدولي لم يلقَ آذاناً صاغية في المحافل الدولية، التي تعتبر ان مشكلة لبنان هي خلاف داخلي لا يُحلّ الا على طاولة حوار لبنانية.

لبنان الغارق في حسابات حصص الزعامات، لن ينتبه الى تحالفات الكبار، وان لقاء الجبارين الرئيسين الروسي ​فلاديمير بوتين​ والأميركي ​جو بايدن​، لن يكون الا لعقد شراكة جديدة في وجه ​الصين​، التي طُردت سياسياً واقتصادياً من المنطقة، فانسحبت مع كل برامجها من سكك حديد ومرافئ. تحالفٌ أرادته ​روسيا​ قبل الولايات المتحدة، كي تحمي نفسها من "التنّين" الصيني، الذي باستطاعته ان يهزمها بقوته الإقتصادية، فتحترق بِغازها الطبيعي في أرضها. واللعبة السياسية اليوم، التي تدفع ثمنها الشعوب، تدور حول من سيمتلك غاز المنطقة. ولبنان الغارق في عراضاته وخلافاته الطائفية، لم ينتبه حتى ​الساعة​ الى انه سيخسر موارده الطبيعية مقابل ​الأمن​.

فهل ستخرج الصين من الشرق الأوسط بمجرد لقاء الروسي-الأميركي في 16 حزيران المقبل في جنيف. صفحة جديدة ستُفتح في تاريخ المنطقة، يظهر فيها التوافق على خارطة جديدة للعالم العربي، يتقاسم فيها الجبارين ​الغاز​ من منبعه الى المستهلك، مع الفوز بأسواق التجارة العالمية في منطقة الشرق الأوسط. كل هذه التطورات واللبناني يعيش في العتمة، شعباً وقادة، مع ​وزارة خارجية​ ضعيفة، تنخر جسمها ​المحاصصة​ والمحسوبيات والإستفادة من المواقع الدبلوماسية... ففي حين تنطلق شعوب العالم الى مرحلة النهوض الإقتصادي والتعافي بعد جائحة ​كورونا​، يبقى اللبناني يجاهر بزعيمه الّذي يؤلّهه، بدل ان يتطلع الى ​المستقبل​ التكنولوجي وتحديات المناخ وأزمات القرن ويبني دولة تلحق بركب الدول المتطورة.