ما عاد رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​، قادرًا على المضيّ أَكثر في تجاهُل الظّروف الضّاغطة، والمُحتّمة عليه عدم الاسترخاء في تشكيل الحُكومة سريعًا جدًّا، وخلافًا لما يُحاول الإِيحاء به، من خلال سفراته إِلى الخارج، أَنّه "مُرتاحٌ على وضعه" على رغم ازدياد الخناق على شعبٍ بأُمّه وأَبيه... وهو تاليًا لن يُفلح في الظّهور وكأنّ في إِمكانه إِبقاء التّكليف النّيابيّ في جيبه، وهو يتنقّل من بلدٍ إِلى آخر، حتّى انقضاء عهد رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​.

وحال التّخبّط تلك، قد جعلت الحريري يُصوّر التّعطيل في التّأليف الحُكوميّ على أَنّه يعود لأَسبابٍ إِقليميّةٍ... كما وإِنّ تهديده الحريري بالاعتذار والاستقالة مِن المجلس النّيابيّ... ليس سوى دليلٍ على حال التخبُّط السّياسيّة الّتي باتت تُسيطر عليه، فصار إِذا سمع أَن ثمّة اتّجاهًا لدى نوّاب "لُبنان القوي" و"الجمهوريّة القويّة" بالاستقالة نافسهُما عليها... وإذا ذكّروه بطرح رئيس مجلس النوّاب ​نبيه برّي​ سابقًا، مُعادلة استقالة وزير الخارجيّة والمُغتربين ​جبران باسيل​، في مُقابل استقالة وزير الماليّة ​علي حسن خليل​، بعد المُطالبة السّياسيّة الواسعة باستقالة الأَخير... فقد فطن الحريري، ولو بعد حينٍ، لهذه "المعادلة الذّهبيّة"... وولّفها وحدّثها لتُصبح: إِستقالة رئيس الجُمهوريّة في مقابل استقالة رئيس الحكومة المُكلّف... داعمًا مُعادلته المُحدثَة بحجّةٍ من التّاريخ الإستقلاليّ النّاصع البياض للبنان، تقوم على استقالةٍ "دوبل فاس" لرّئيس الجمهوريّة بشارة الخوري، ورئيس الحكومة رياض الصّلح... وكأَنّ اللُبنانيّين، لم يتعلّموا مِن نضالهم الاستقلاليّ سوى لمحاتٍ عابرةٍ من الشّذوذ الكيديّ في سياسة الأَزقّة، فيما الجوع يفتك بنا اليوم خبط عشواءٍ!.

ومِن الكيديّة إِلى الرّهانات الخاطئة الّتي يتحمّل مسؤوليّتها الزّعيم وأَمّا فاتورتها وتبعاتها فعلى الشّعب!. ومَن يطّلع على التّحذير الأُوروبيّ–الأَميركيّ، الصّادر خلال الأُسبوع الماضي، مِن مغبّة تأجيل الانتخابات النّيابيّة في لُبنان، يعلم أَنّ بعض مَن سيلجأ الآن إِلى الاستقالة من المجلس النّيابيّ، وبعد التّحذير هذا، إِنّما سيُبادر إِلى ذلك هُروبًا إِلى الأَمام مِن تحمُّل المسؤوليّة، أَو لاعتقادٍ منه بأَنّ الانتخابات المُقبلة ستُعيده مُعزّزًا مُكرّمًا إِلى كُرسيّه النّيابيّة... بيد أَنّ سوء التّقدير هُنا، إِنّما يكمُن في الاعتقاد بأَنّ النّاس ستسكت طويلًا عن الضّيم، وستغفر للأَبد لجلّاديها، ولمَن سلبَها مُدّخراتها وجوّعها، ومارس في حقّها كُلّ أَشكال الإِذلال... وكُلّ أَلوان العذابات!.

ومَن يُراهن على طول باع النّاس مع الذلّ والهَوان، إِنّما هو جاهلٌ لحقيقة شعبٍ عجَن الكرامة والعزّة مع خُبز مرقوقه، وتناولهما في طعامه لسنين طويلة!...

وإِلى المُكابرة الّتي تحول دون أَن يعترف الحريري مثلًا، بأَنّه بات وحيدًا، ومن دون حُلفاء له في الدّاخل: فهل في مقدوره –والحال هذه- أَن يُؤلّف الحُكومة الموعودة؟ وهل يملك جُرأة الاعتذار المجّانيّ، بعيدًا عن حساباته "الدّكنجي"؟...

وهل في مقدوره الإِفصاح عن أنّ الرّئيس المصريّ عبد الفتاح السّيسي، لم يستطع ترميم علاقات الحريري بالمملكة العربيّة السّعوديّة، الّتي تزداد إصرارًا على عدم القبول به، ولو لفّ الحريري دول ​العالم​ كلّها... مرارًا وتكرارًا؟...

إِنّ «تبديل» الحريري لا يُمكن أَن يحصل الآن، وإِن كان ما زال يضع «ورقة التّكليف» في جيبه مُنذُ أَكثر من 7 أَشهر، إِلّا إِذا اعتذر هو، ومن تلقاء نفسه، وهو لن يفعل!.

لقد بات على الحريري أن يقرأ جيّدًا مُؤشّر أَن تُبادر قناة "الحدث" السّعوديّة البارزة، بنقلٍ مُباشرٍ لكلمة الرّئيس السّوريّ بشّار الأَسد، في مُناسبة إِعادة انتخابه...

لقد أَكّدت مصادر ديبلوماسيّةٌ أَنّ "المنطقة تتجه إِلى تسويةٍ كُبرى... فيما لُبنان سيكون آخر العنقود"!.

إِنّ كلّ ما ورد حتّى الآن، في شأن معوقات لتّشكيل الحكوميّ، ما هو إِلاّ ستارة حاجبة للقوى السّياسيّة أو للأَسباب المانعة تشكيل الحُكومة الجديدة في لبنان...