في الأيام الماضية، كانت كل الأنظار تتجه إلى تحرك ​الإتحاد العمالي العام​، الذي لم يكن عفوياً بأيّ شكل من الأشكال، الأمر الذي يُفسّر القلق الذي كان يرافق القوى السياسية والأجهزة الأمنيّة من إحتمال أن يقود إلى فوضى في الشارع، حيث من المفترض أن يكون موجهاً بشكل أساسي ضد رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​.

بالتزامن، كان رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ يخرج من موقعه "الوسطي" المستجدّ، بعد أشهر من الإصطفاف إلى جانب رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، فهو كان من أبرز "عرابي" عودته إلى رئاسة الحكومة، ولعب دورا أساسيا في دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لتقديم إستقالته.

في النتيجة الأوليّة، يمكن القول، بحسب ما ترى مصادر سياسية متابعة، أن عون وباسيل نجحا في جرّ المواجهة إلى حيث يريدان، فالأول أظهر من خلال "حرب البيانات" مع بري أن المعركة هي حول صلاحيّات رئيس الجمهورية المسيحي، الأمر الذي قاد إلى تكتّل طائفي حوله، مع العلم أنّ الثاني كان قد عمل إلى نقل المعركة إلى هذا المكان، منذ فترة طويلة، عبر حصر العقدة الحكومية بمسألة تسمية الوزيرين المسيحيين.

بالنسبة إلى هذه المصادر، رئيس "التيار الوطني الحر"، من خلال دعوة التيار أنصاره إلى المشاركة في تحرّك الإتّحاد العمّالي العام، نجح في إجهاض المحاولة التي كان يُراد منها القول أنّ التحرك موجّه ضدّه، خصوصاً أنه وضع عناوين محدّدة لهذه الدعوة، بينما من الناحية العمليّة كان التحرك دون مستوى الأزمة التي تمرّ بها البلاد، ما فُسّر بأنّه فشل من جانب الإتحاد وعجز عن قيادة حركة معارضة شعبية، رغم الكوارث التي حلت على العمال في السنوات الماضية.

أمام هذا الواقع، تعتبر المصادر نفسها أن عون وباسيل انتصرا في الجولة الأولى من المواجهة الحقيقيّة، التي يتكتّل فيها كل حلفاء الحريري لإجبارهما على تقديم تنازلات من خلال تحميلهما مسؤولية الأزمة الراهنة، وتشير إلى أنهما لم ينجحا فقط في صدّ الهجوم عليهما بل تمكّنا من الإنطلاق في هجوم مضادّ يصب في صالحهما، في مؤشّر على أنّ ما حصل في الأيام الماضية صبّ كلياً في هذا الإتّجاه.

في المقابل، ترى المصادر السياسية المتابعة أنّ الخاسر الأول مما حصل هو رئيس الحكومة المكلّف، الذي رغم الجهد الذي بذله لتأمين الغطاء الطائفي له، بعد إجتماع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، لم ينجح في تأمين تحركات شعبيّة نوعيّة تدعم توجّهه، بالرغم من حضور أنصاره بالحركة في العديد من المناطق، لا بل تبيّن أنه عاجز عن تحريك الشارع بالشكل المطلوب، باستثناء عمليّات قطع الطرق المحدودة في العاصمة بيروت.

بالتزامن، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ الحريري كان يُخرج نفسه من دائرة ​تشكيل الحكومة​، في تناقض واضح مع سرديّة معركة الحفاظ على صلاحيّات رئيس الحكومة المكلّف، حيث ظهر كل من "​حزب الله​" و"​حركة أمل​" على أساس أنّهما المقرّر الأساسي في هذا الملف، لدرجة أنّ مسألة إعتذار الحريري عن الإستمرار في المهمّة الموكلة إليه باتت في عهدة رئيس المجلس النيابي، الذي يملك وحده القدرة على دفعها الى الإعتذار أو الإستمرار في التكليف.

في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أنّه رغم الضرر الكبير الذي لحق بعون وباسيل، منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، إلا أنّهما أثبتا امتلاكهما القدرة على إدارة المعركة بالشكل المطلوب، من خلال نجاحهما في أخذ المعركة التي تُخاض ضدّهما إلى المكان المناسب لهما، في المقابل يبدو أن أخصامهما يقدّمون لهما خدمات مجانيّة.