في الوقت الذي يتواصل فيه الإنهيار السريع على مُختلف الصُعد، لا تزال المُراوحة القاتلة في ما خصّ الملفّ الحُكومي هي السائدة، بالتزامن مع إستمرار عجز حُكومة تصريف الأعمال برئاسة حسّان دياب عن تخفيف حدّة السُقوط. وخلال الساعات الماضية، تسرّبت مَعلومات عن إحتمال أن تشهد الساعات والأيّام القليلة المُقبلة، إمّا إعتذار رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​، وإمّا حلحلة حُكوميّة مُفاجئة. فهل هذه المَعلومات دقيقة؟.

لا شكّ أنّ حديث أمين عام "حزب الله" السيّد ​حسن نصر الله​ عن أيّام حاسمة لم يأت من عدم، وهناك إتصالات كثيفة حاليًا لمُحاولة الخروج من الدائرة المُفرغة التي تُواجهها جُهود ​تشكيل الحكومة​ منذ أكثر من سبعة أشهر، علمًا أنّ هناك أكثر من جهة تسعى حاليًا لإيجاد مخرج ما للعقبات، ومن هذه الجهات وزير الخارجيّة القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، و​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​، وغيرهما. لكن حتى هذه اللحظة، التشاؤم يطغى على التفاؤل، بإمكان التوصّل إلى التسوية الحُكوميّة المَنشودة قريبًا، حيث كثر الحديث عن إتجاه أكبر لإعتذار رئيس الحكومة المُكلّف.

وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ الحريري لم يعد يريد الإستمرار أكثر بهذه الوضعيّة التي ينطبق عليها المثل اللبناني القائل (باللغة العاميّة) "لا مِعلّق... ولا مِطلّق"!. وهو يريد بالتالي التخلّي عن مُهمّة التكليف، مع طرح أكثر من "سيناريو" لهذه الغاية، أحدها رفع تشكيلة نهائيّة إلى القصر الجمهوري، وذلك كفرصة أخيرة. وفي حال رفضها من قبل رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​، يعتذر الحريري مُباشرة عن إستكمال مُهمّته. في المُقابل، أكّدت مَعلومات مُتقاطعة أنّ رئيس مجلس النوّاب ​نبيه برّي​ يرفض اللجوء إلى خيار الإعتذار، من دون التوافق مُسبقًا على الخطوات التالية، بدءًا بالتوافق على من سيخلف الحريري في مهمّة التشكيل، مُرورًا بشكل الحُكومة المُقبلة وبطبيعتها، وُصولاً إلى مهمّتها الرئيسة، أكانت إنقاذيّة أم إنتخابيّة، إلخ.

وبحسب أكثر من تحليل سياسي، إنّ إعتذار الحريري من دون التوافق مُسبقًا على الخطوات التالية، سيزيد الأمور تعقيدًا، لأنّ المُشكلة لا تنحصر بين رئيسي التيّارين الأزرق والبرتقالي، النائبين سعد الحريري و​جبران باسيل​، بل تشمل أيضًا الخلاف بين رئيس مجلس النوّاب من جهة ورئيس الجمهوريّة ورئيس "التيّار الوطني الحُرّ" من جهة أخرى. ويُقال إنّ معركة برّي مع العهد أشدّ من معركة الحريري معه، حيث أنّ رئيس مجلس النوّاب يرفض إعطاء العهد والتيّار ضُمنًا، الثلث المُعطّل في أيّ حُكومة مُقبلة، بغضّ النظر عن هويّة رئيسها وتركيبتها، وهو لن يسمح لهما بتقوية نُفوذهما في السُلطة، بشكل يُتيح لهما التحكّم بمحطّات أساسيّة مُقبلة، تشمل إضافة إلى السُلطة التنفيذيّة، القانون الإنتخابي، وإنتخابات رئاسة الجُمهوريّة، إلخ. وليس بسرّ أنّ رئيس مجلس النوّاب مُتوافق مع رئيس "الحزب التقدّمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ على الحفاظ على حُظوظ سليمان فرنجيّة الرئاسيّة في أعلى مرتبة مُمكنة، وعلى أن تكون تركيبة الحُكم المُقبلة مُتضمّنة للرباعي: أمل، الإشتراكي، المُستقبل، المردة، وغيرها من القوى السياسيّة الأساسيّة، في ظلّ توافق ضُمني بعدم السماح لفريق "التيّار الوطني الحُرّ" بإستضعاف أيّ فريق من هؤلاء.

وعلى خطّ مُواز، المَعلومات المُتوفّرة أنّ الحريري لن يُقدّم إعتذاره عن التشكيل على طبق من فضّة لخُصومه السياسيّين، وفي طليعهتم "التيّار الوطني الحُر"، حيث يُتوقّع أن يُماطل مُجدّدًا في تسمية بديل عنه، وفي منح أيّ شخصيّة سنيّة الغطاء السياسي والمَعنوي المَطلوب، لتمرير الوقت. والهدف أنّ تكون أي حكومة مُقبلة لا يكون الحريري رئيسها، حُكومة إنتخابات وليس حكومة إنقاذ، لذلك من غير المُتوقّع أن يُسارع رئيس "تيّار المُستقبل" إلى تسمية شخصيّة جديدة لرئاسة الحُكومة في حال أقدم على التنحّي عن هذه المهمّة. ويتردّد أنّ الحريري قد يُناور أشهرًا عدّة إضافيّة، تمهيدًا للوُصول إلى خيار إستقالة كتلة المُستقبل من مجلس النواب، لكن ليس الآن بل بعد بضعة أشهر، أي عندما لا يعود من المُمكن دُستوريًا إجراء إنتخابات فرعيّة، أي عمليًا في أي وقت بعد الدُخول في فترة الستة الأشهر الأخيرة من ولاية المجلس النيابي الحالي، علمًا أنّ هذه الولاية تنتهي في أيّار 2022.

في الختام، الأمل بأن يكون الإنهيار الإجتماعي الكامل والمُتواصل سببًا لتقديم تنازلات مُتبادلة تُمهّد لتسوية حكومية، وذلك لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه. أمّا باقي "السيناريوهات" فهي قاتمة السواد، أكان بقاء حال المُراوحة القاتلة الحالية، أم إعتذار الحريري من دون التوافق مُسبقًا على الحُطوات التالية، مع التشديد مُجدّدًا على أنّ المعركة ليست بين الحريري وباسيل فحسب، بل بين "التيّار الوطني الحُرّ" وما يُمثّل من جهة، ورئيس مجلس النوّاب وكل الفريق السياسي الذي يُنسّق معه لطيّ صفحة العهد الرئاسي من جهة أخرى، علمًا أنّ غاية هذا الفريق المَذكور المُستقبليّة فتح صفحة سياسيّة جديدة في تاريخ لبنان الحديث، يكون فيها "التيّار الوطني" إمّا فريقًا مُعارضًا، أم فريقًا محدود الحجم ضُمن السُلطة الحاكمة!.