لا يختلف إثنان في ​لبنان​ حول مسؤولية السلطة السياسية التي اوصلت البلد إلى مرحلة الإنهيار. هناك من يعتبر ان الممارسات السلطوية طيلة العقود الماضية هي التي رمت لبنان في مساحات الفساد، من دون لا حسيب ولا رقيب. وهناك من يرى ان المشكلة تكمن في طبيعة النظام السياسي الذي شكّل حماية طائفية منعت المساءلة والمحاسبة.

فشلت الحكومات المتعاقبة في فرض التنمية أو تلبية الحد الأدنى من حاجات الشعب، فإستيقظ المواطنون على انهيارات في القطاعات: نماذج ​الكهرباء​ والنقل والاقتصاد بكل روافده الصناعية والزراعية.

صحيح ان الإنفلاش الذي ساد في ​المجتمع اللبناني​ ساهم في رمي اللبنانين في قعر ​الأزمة​، لكن المواطنين مضوا في مسارات حياتهم بناء على خريطة سياسية واقتصادية واجتماعية وضعتها السلطة التي رسمت الخطوط البيانية في لبنان.

اليوم، باتت السلطة عاجزة عن فعل شيء، في ظلّ عدم وجود قدرات ماليّة مطلوبة لحلّ الأزمة، أو عجزها عن اتخاذ قرارات للخروج من المآزق. فما صحة ما قاله الباحث الاقتصادي حسن مقلّد عن منع ​واشنطن​ اللبنانيين من الصرف المالي لزوم حلّ الأزمات؟ إذا سلّمنا جدلاً بمضمون هذا الكلام، فهذا يعني ان الأميركيين لا يرغبون بحل الأزمة المعيشيّة في لبنان، لا بل ربما يكون المطلوب هو زيادة مساحات القلق الشعبي، وبالتالي دفع اللبنانيين الى حدّ الكفر بكل القوى السّياسية للوصول الى ​الانتخابات​ النيابية والوصول الى هدف سياسي. ما هو؟.

يقول مطّلعون إنّ التصريحات الغربيّة تستهدف القوى السياسية اللبنانية، بموازاة الحديث عن رغبة لديها لإبعادها عن قيادة البلد، وتقديم شخصيات وسياسات جديدة مغايرة لما هو سائد في لبنان منذ عقود.

يعتقد هؤلاء ان حدّة الأزمة المعيشيّة ستغيّر توجهات الرأي العام اللبناني خلال ​الانتخابات النيابية​ المقبلة. لذلك، يأتي الاصرار الدولي على إجراء تلك الانتخابات ليصبّ في هذه الخانة، قبل ان يكون موعدا لاستحقاق ديمقراطي طبيعي.

اذا لماذا استحضار مسألة المساعدات الانسانيّة التي فرضت اجتماعات فرنسية-أميركية-سعودية؟ يقول مطّلعون إن المؤازرة المُشار اليها ستزيد من سخط اللبنانيين على القوى السلطويّة. كيف؟ واين سيجري توزيع تلك المساعدات؟ وهل تساهم في فكفكة بيئات طوائفيّة او حزبيّة متراصّة؟ ربما المطلوب هو ضرب الثقة التي لا زالت موجودة بين مواطنين وقياداتهم.

الشعب اللبناني بات يحتاج مساعدات ومؤازرة مستدامة، لكن لماذا لا يُصار الى فرض حكومة جديدة تنفّذ خطة اصلاحيّة متكاملة، وبالتالي تعيد ترميم المشهد الاقتصادي؟ هل ان الخطة الدوليّة معدّة لتكوين سلطة لبنانيّة جديدة بعد انتخابات نيابية تعوّل دول غربية على أن تحمل معها قيادات وسياسات جديدة، بدل الطبقة السياسية الحالية؟.

المسألة لا تتعلق بالأشخاص، بقدر ما هي تتعلق بتغيير نهج لبناني في السياسة ثم الاقتصاد، بالتموضعات ثم الخيارات.

يبدو ان خطة دولية تمضي على هذا الاساس، بكل ثقة، وستجد ارضيّة خصبة لطروحاتها، لأن المدخل هو حاجات الناس في بلد منكوب. ومن هنا حتى اجراء الانتخابات سيجد اللبنانيون انفسهم عرضة لانهيارات متتالية، لكن الدول الغربية ستمنعهم من تجاوز الخطوط الحمر. وكأنّ المطلوب منهم ان يمارسوا السخط في صناديق الاقتراع، لا غير. لكن، ماذا عن البدائل السياسية؟ لا ثقة شعبيّة بالمطروحين. انها دورة طويلة وصعبة، ستفرض التعايش بكل اتجاه.