فجأة، رست الامور على وجوب ​تكليف​ النائب ​نجيب ميقاتي​ ​تشكيل الحكومة​ الجديدة. هو نفسه ميقاتي الذي لم يكن يتحدث عنه احد حين كان النائب سعد الحريري مكلّفاً تشكيل الحكومة، وتم تصويره في حينه على انه الملاذ الاخير للبنان و"المنقذ" الممتطي الحصان الابيض والمتأهّب للانقاذ، وان فشله سيعني خراب لبنان. اليوم، بدا ميقاتي وكأنه استعار الحصان الابيض، حتى انه استعار ايضاً الصفة لانه "المنقذ" الذي يترتب عليه انقاذ لبنان من مشكلته التي يتخبط فيها، وان فشله يعني خراب لبنان... استغرب كثيرون كيف انه يمكن لميقاتي ان يقبل بهذه المهمة، وهو الذي اكّد ان الحريري هو الرجل الانسب في هذا الظرف، كما انه كان اعلن بشكل واضح استبعاده امكان التعايش بين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ واي رئيس حكومة (18 كانون الاول 2020). ولكن، مصادر متابعة للملف الحكومي، اشارت الى ان ما يقال في ​السياسة​ يجب حصره في مكان وزمان معيّنين وخصوصاً في لبنان. اما عن امكان التعايش بين ميقاتي وعون، فذكّرت بأن ميقاتي كان ترأس اول حكومة له بعد اسابيع قليلة على اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في العام 2005، وكان وقتها رئيس الجمهورية العماد ​اميل لحود​ وقد اتّهمه البعض بأنه يقف خلف عملية الاغتيال او متواطئبالمشاركة فيها، وكان الغضب السنّي من لحود في اوجه، علماً ان الأخير يعتبر -من حيث التعاطي- اقل دبلوماسية من عون. وتضيف المصادر انه على الرغم من كل ذلك، نجح ميقاتي في ابقاء القنوات مفتوحة مع لحود، فلماذا سيعلن اقفالها اليوم مع عون، خصوصاً وان الاخير عبّد له الطريق بحديثه الصحافي الاخير؟!. اضافة الى ذلك، تشير المصادر نفسها الى ان النائب جبران ​باسيل​ لن يكون عقبة اساسية لاسباب عدّة، اهمها انه تم تطبيق النظرية التي سادت بعد ​استقالة الحريري​ من رئاسة الحكومة اثر المظاهرات التي عمّت المناطق اللبنانية عام 2019، والقضيّة بأنّه "اما يدخل الاثنان الى الحكومة معاً او يبقيان خارجها معاً". وتوضح المصادر ان هذه المعادلة التي طُبِّقت ولو لم تصدر رسمياً، كفيلة بتخفيف الضغط عن باسيل واظهاره كأنه الذي تفرّد بكل القرارات التي اتخذت ابّان مشاركته في الحكومة، فيما الحريري كان يتّخذ القرارات "مُرغماً وعلى مضض"، ليظهر الأخير بمظهر البريء و"المنقذ" الوحيد للبنان، بينما يتحمّل باسيل وزر العقوبات الاميركية والاتهامات الداخليّة بأنه المسؤول الاول والاخير عن الفساد والهدر وغيرهما من الامور...

كل هذه المعطيات والمؤشرات تعزّز فرضية السير بالحلّ، وانّ التحرك الاميركي-الفرنسي-العربي بدأ يعطي مفعوله، وهو حاز على اجماع دول اكبر في الخارج بطبيعة الحال، ولم يعد هناك من ضرورة للسير ببنود المبادرة الفرنسيّة، فيما المكوّن السنّي قد امّن الغطاء اللازم لميقاتي لتولي المهمة وهو سيخرج حالياً من عضوية "نادي رؤساء الحكومة السابقين"، من دون ان يخرج من عباءتهم. ومن المرجّح ان تبدأ التغييرات في المواقف من قبل كل الاطراف، اذا ما استمر التوافق الدولي على حاله، لينصرف الجميع بعدها الى التخطيط لخوض ​الانتخابات النيابية​ التي بات من المبالغ به الحديث عن ارجائها او الغائها، والحديث عن التعويضات التي ستلحق ببعض اللاعبين الرئيسيين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: سعد الحريري، وميقاتي نفسه (لمعرفة ما اذا كان سيكتفي برئاسة الحكومة حتى نهاية العهد، ام سيخوض الانتخابات النيابية المقبلة مباشرة او عبر مؤيدين له يصلون الى البرلمان).

وفي ظلّ التفاؤل في قرب اشراقة الحكومة التي طال انتظارها، يبقى التحرك الدولي والتوافق الخارجي هو الحكم والفاصل بين استمرار الوضع على ما هو عليه في لبنان، او البدء باجراء التغييرات اللازمة للوصول الى التسوية المطلوبة!.