لو لم يكن الرئيس نجيب ميقاتي محصناً بدرع إقليمي ودولي لما كان دخل حقل ألغام التكليف وقبل بخوض غمار هذه المهمة التي يعلم الجميع أنها صعبة، فالرئيس ميقاتي الرجل السياسي المخضرم يُدرك تماماً أن طريق رحلته في تأليف الحكومة لن يكون مزروعاً بالورد والياسمين، وهو لذلك لم يقل كلمته الأخيرة لمن فاوضه أمر التكليف الا بعد أن وضع في جيبه ورقة الضمانات الخارجية والحاجة الداخلية للخروج من المأزق الذي بلغ عتبة الانهيار الكامل على كافة المستويات ووصل الى مرحلة كاد فيها المجتمع الدولي أن يعلن لبنان دولة فاشلة.

لا شك أن الفرنسيين الذين طرحوا اسم الرئيس ميقاتي قبل أن يكلف الرئيس سعد الحريري ضغطوا بشكل كبير من أجل تسميته وقد تمّ ذلك بالتساوي مع مباركة أميركية، وعدم اعتراض سعودي، وان كانت المملكة لم تحدد موقفاً محدداً من عملية التسمية أو التكليف تاركة هذا الأمر على ما يبدو إلى حين اتضاح مسار عملية التأليف والمناخات الداخلية والخارجية التي ستواكبها.

وإذا كان من الصعب الحكم على مهمة الرئيس ميقاتي وما إذا كان سينجح في عملية التأليف أو يفشل ويذهب إلى الاعتذار، فإن ما برز من إشارات سياسية أقله على المستوى الداخلي يظهر أن القوى السياسية بمختلف مشاربها لن تعرقل مهمة الرئيس المكلف، حتى تكتل «لبنان القوي» الذي لم يسمي الرئيس ميقاتي سيكون مرناً في العملية التفاوضية حول التوليفة الحكومية، حيث أظهرت الوقائع ان جُل ما كان يبغيه «التكتل» ومعه رئيس الجمهورية هو إزاحة الرئيس سعد الحريري عن مشهد التأليف بفعل فقدان الثقة بين الطرفين وغياب أي نوع من التفاعل الكيميائي بينهما، وكان الرئيس ميشال عون صريحاً في ذلك وهو أبلغ الحريري ذلك في اللقاء الأخير الذي سبق بدقائق تلاوة الرئيس الحريري بيان الاعتذار.

وفق الوقائع فإن الرئيس المكلف سيقوم بعملية كباش قوي مع الوقت وهو لن يدخل مربع الاستنزاف تجنباً للجنوح في اتجاه معارك سياسية مع أي فريق تفاوضي بشأن شكل الحكومة العتيدة أو توزيع الحصص، وقد برز استعجال الرئيس ميقاتي تأليف الحكومة التي ينتظرها الداخل والخارج على حدّ سواء وينظرون إليها على أنها ستكون حكومة الانقاذ ومنع الارتطام الكبير، من خلال شروعه فور إعلان نتائج استشارات قصر بعبدا وإعلانه رئيسا مكلفاً للحكومة بمروحة من اللقاءات والاتصالات مع رؤساء الحكومات السابقين وغيرهم من القيادات السياسية للوقوف على رأيهم والاستماع الى مطالبهم لتكون عنده صورة واضحة تمكنه من وضع خارطة طريق تؤدي للوصول إلى حكومة على شاكلة التي يحتاجها لبنان ومعه المجتمع الدولي لفرملة اندفاعة الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي أصاب لبنان منذ أكثر من عام ونصف العام.

درع دولي مع ضمانات داخلية أدخلت الرئيس ميقاتي حقل ألغام التأليف لتفكيك صواعقه

وفي رأي مصادر سياسية متابعة أن غياب التشدّد السعودي حيال عملية التكليف، وكذلك الرسالة الإيجابية التي أطلقها «حزب الله» باتجاه الرئيس ميقاتي وتمايزه في ذلك عن حليفه «التيار الوطني الحر» يشكلان قوة دفع كبيرة للرئيس ميقاتي تساعده في تفكيك صواعق التفجير من أمام عربة التأليف، لاسيما تلك التي عصيت على الرئيس الحريري وأدى انفجارها في وجهه إلى اعتذاره والانكفاء، إذ أن العنصر الداخلي وكذلك الخارجي الذي حال دون وصول الحريري الى السراي الكبير لم يعد في المشهد اليوم وبالتالي فإن مهمة ميقاتي ستكون أسهل بكثير من مهمة سلفه الحريري اللهم الا إذا برزت معطيات جديدة لم تكن في الحسبان ونجحت في تبديد المشهد الإيجابي الحالي، خصوصاً وأن هناك مقولة لطالما سمعناها في كل عملية تأليف وهي أن الشياطين تكمن في التفاصيل، ولذلك فإن مقولة الرئيس برّي «ما تقول فول حتى يصير بالمكيول» تبقى هي المهيمنة إلى حين صعوده والرئيس المكلف إلى قصر بعبدا للاعلان عن التوليفة الحكومية، وبالتالي إصدار مراسيم التشكيل. وفي تقدير هذه المصادر أن العقدة الأبرز تبقى مسألة التوزير المسيحي وتوزيع بعض الحقائب وخصوصاً وزارة الداخلية حيث ان هناك جهوداً فوق العادة تبذل لحل هذه المشكلة لكي لا تكون سبباً في عرقلة عملية التأليف، وقد أخذت جهات داخلية وخارجية علی عاتقها معالجة هذه المسألة ومنها فرنسا و«حزب الله»، لأن قرار ان يكون للبنان حكومة مكتملة الاوصاف تحاكي المجتمع الدولي وصندوق النقد لمد يد المساعدة قد اتخذ محلياً واقليمياً ودولياً، وأن ما هو حاصل حالياً هو التفتيش عن المخرج الملائم الذي يحفظ للجميع ماء الوجه ولا يظهر معه أي فريق خاسراً في ما خص عملية التأليف.

وفي رأي المصادر ان فشل مهمة ميقاتي يجب أن يكون ممنوعاً، لأن تكرار تجربة الرئيس سعد الحريري الذي بقي في دائرة المراوحة على مدى ما يقارب التسعة أشهر وانتهت بالاعتذار، مع ما رافق ذلك من انهيارات على كافة المستويات، ستكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على لبنان ورؤوس اللبنانيين، لأن عدم التأليف سيكون سبباً للوصول الی الارتطام الكبير وبالتالي إعلان لبنان دولة فاشلة مع ما يرافق ذلك من تدخلات دولية مختلفة، ناهيك عن انفلات حتمي للدولار من عقاله حيث لا يمنع الفشل في التأليف بأن يتخطى سعر صرف الدولار الواحد الخمسين أو المائة ألف ليرة حيث لن يكون هناك أي سقف للجم ارتفاع الدولار وبالتالي ستكون نهاية لبنان بالضربة القاضية.