لا يمكن فصل قرار رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ الاعتذار عن ​تشكيل الحكومة​ عن بدء التحضير لمعركة ​الإنتخابات النيابية​ المقررة في العام 2022، فهو يدرك جيداً أن هذا الاستحقاق هو البوابة الرئيسيّة لعودته إلى السراي الحكومي من جديد، من منطلق فرض نفسه كممثل أوّل للطائفة السنية في لبنان، ما يجبر الحاضنة الإقليميّة، أي ​المملكة العربية السعودية​، على التعامل معه على هذا الأساسي.

في هذا السياق، لم يعد من الممكن الجدل بأنّ أحد أبرز الأسباب، التي حالت دون نجاحه في تشكيل الحكومة، يكمن بالمشكلة التي لديه من الرياض، بدليل الإيجابيّة التي يتعامل بها رئيس الحكومة المكلّف ​نجيب ميقاتي​ مع هذا الملفّ مع باقي الأفرقاء المحليين، بالإضافة إلى حديثه العلني عن ضمانات خارجيّة حصل عليها، الأمر الذي لم يكن متوفراً لزعيم "​تيار المستقبل​"، وهو ما سيتأكد أكثر في حال نجح ميقاتي في التأليف.

في الوقت الراهن، بات من الواضح، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية متابعة لـ"النشرة"، أن الحريري دخل مرحلة التحضير للإنتخابات النيابية المقبلة، مستفيداً من المواقف التي كان قد أطلقها خلال مرحلة التكليف وبعدها، حيث أصر على عدم تقديم أي تنازلات لرئيسي الجمهورية ​ميشال عون​ و"​التيار الوطني الحر​" النائب جبران باسيل، الأمر الذي كان يصب في صالحه على المستوى الشعبي داخل البيئة السنية.

وتشير هذه المصادر إلى أن موقفه المسهل لمهمة ميقاتي يصب في هذا الاتجاه أيضاً، نظراً إلى أنه يدرك عدم القدرة على عرقلة ​تأليف الحكومة​ في ظلّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية، كما أنه لن يكون في الواجهة في حال اضطرت هذه الحكومة إلى أخذ قرارات غير شعبيّة، أو تقديم تنازلات لم يكن في وارد الذهاب إليها.

من وجهة نظر المصادر نفسها، المهمة الأولى ستكون البحث في كيفية إختيار المرشحين المناسبين، لا سيما أنّ المنافسة ستكون شرسة هذه المرة، خصوصاً مع دخول شقيقه رجل الأعمال ​بهاء الدين الحريري​ على الخط، الأمر الذي سيفرض عليه التعامل مع هذا الاستحقاق بطريقة مختلفة عن تلك التي كان يتم اعتمادها في الفترات الماضية.

في هذا الاطار، توضح المصادر السياسية المتابعة أن معركة رئيس الحكومة السابق الأساسية لن تكون مع خصومه من قوى الثامن من آذار، الذين كان معظمهم إلى جانبه خلال مرحلة التكليف، بل مع شقيقه بهاء الدين، نظراً إلى أنه الوحيد الذي يأكل من الصحن الإنتخابي نفسه، بينما جمهور خصومه التقليديين لديهم جمهورهم الخاص الذي لن يكون في وارد الإنتقال من ضفة إلى أخرى.

وتلفت هذه المصادر إلى أنه لن يكون من المستغرب، في حال حصول الاستحقاق الإنتخابي، أن يذهب رئيس الحكومة السابق إلى تحالفات مع هؤلاء الخصوم في بعض الدوائر، كمثل بدء الحديث عن تحالف من الممكن أن يحصل في البقاع الغربي يضمه إلى جانب رئيس حزب "الإتحاد" النائب عبد الرحيم مراد ونائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، خصوصاً أن العلاقة التي تجمعه مع حلفائه السابقين، كالحزب "التقدمي الإشتراكي" وحزب "القوات اللبنانية"، ليست على أحسن حال.

وفي حين تشير المصادر نفسها إلى أن المواجهة مع "التيار الوطني الحر"، بالإضافة إلى "حزب الله"، ستكون عنوان المعركة الإنتخابية لتيار "المستقبل"، تعتبر أن هدفه الأساسي سيكون هو الفوز بالكتل النيابية السنية الأكبر، كمقدمة لتأكيد موقعه على هذه الساحة، الأمر الذي قد يعيد فتح أبواب المملكة العربية السعودية أمامه، نظراً إلى ادراكه أنه من دون هذا الأمر لن يكون قادراً على العودة إلى السراي الحكومي.

في المحصلة، معركة رئيس الحكومة السابق ستكون مع مجموعة واسعة من اللاعبين على المستوى الداخلي، لا سيما مع دخول شخصيّات جديدة طامحة إلى قلب المشهد السياسي، لكن هدفه سيكون في الخارج، وهو مفتاح الزعامة الذي يحتاج إليه قبل أيّ شيء آخر.