يأتي عيد الجيش هذا العام، ونحن على مسافة أيّام من ذكرى نكبة ​المرفأ​، الذي، ولتاريخه لم تُعرف بعد أسبابها ولم يُعرف مسبّبوها. يأتي العيد، والجيش لا يملك مقومات الصمود من العتاد والأمور اللوجستية، ومن العديد الذين أنهكتهم المصائب والأزمات التي تعصف ب​لبنان​.

هالني بالأمس القريب مشهد التعدّي على جيش الوطن، في إحدى طرقات بيروت هذا المشهد الغوغائي يتكرّر دائمًا لدى نزول وحدات الجيش، لضبط المظاهرات والاعتدء على الناس والأملاك العامة، وكأن الجيش (مكسر عصا).

إن كان بعض الموتورين يتعدّون على الجيش من تلقاء ذاتهم، فتلك مصيبة، وإن كانوا يتصرفون بأمرٍ من أسيادهم السّياسيين، فتلك مصيبة أكبر.

هذا الجيش الذي يرزح تحت نير التقشّف بكافة جوانبه، يستحق منّا التحيّة والإحترام والدعم، في هذا الظرف الصعب.

هذا الجيش الذي يعاني منذ تشرين الأوّل ٢٠١٩، صعوبات جمّة، فاقت مواجهات عدو غريب.

هذا الجيش الذي عامل الجميع بالمساواة، منذ العام ٢٠٠٥، وقبلها وبعدها، واتّهمت قيادته مرّات عديدة بالإنحياز لهذه الفئة دون تلك.

هذا الجيش الذي يدفع ضريبة الدم غاليًا في كل جولة جنون داخليّة، وعند محاربة المتربّصين شرًا بوطننا.

هذا الجيش الذي بات راتب الجندي الشهري، لا يؤمّن له أبسط مستلزمات العيش.

هذا الجيش الذي يعاني الأمرّين، ورغم كل ظروفه الصعبة، يبقى الأمل والرجاء، ومصدر الإطمئنان، وركيزة الصمود عند كثر من أوادم البلد، الذين يراهنون على دوره بالحفاظ على أمن الوطن والمواطن.

هذا الجيش يستحق منّا كلّ تقدير وإحاطة ودعم. لذلك نرفع الدعاء إلى الله، ألا تتكرر تجارب سابقة، أدّت إلى إنقسامه لأسباب طائفية ومذهبية، أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه من حروب وويلات، ما زلنا ندفع ثمنها غاليًا. وقد حملت الويلات المتراكمة، إلى هجرة عدد لا بأس به من كبار الضباط وعائلاتهم، وهذا للأسف، دليل غير صحّي، لعدم ثقتهم بمستقبل وطنهم.

ويبقى جيشنا، رغم كل شيء، ملاذنا الوحيد، بعد أن فقدنا الثقة بهذه المنظومة الحاكمة منذ سنوات، ويبقى هو الشرف والتضحية والوفاء، في حين أن كثيرين، لم يعودوا يملكون ذرّة من الشرف، أو نيّة واحدة في التضحية، وفقدوا كل أنواع الوفاء لبلادهم، وباعوا مصيرهم ومصيرنا إلى الغريب. هذا نراه يُترجم عبر تدخلات الدول والسفراء ل​تأليف حكومة​، لأننا لم نبلغ يومًا سن الرشد والإحساس الوطني، وهمنا إرضاء أولياء الأمر.

عرفت جنودًا وضباطًا كثر، أنحني لتضحياتهم ومناقبيتهم وأخلاقهم الحميدة، وللمدرسة التي تخرّجوا منها، رغم سقطات بعضهم في الكبرياء والعيش الرغيد فيما مضى، إلا أن معظمهم شرّفوا النجوم المعلّقة على أكتافهم، ولم ينجرّوا إلى أنواع البذخ المتعددة، وكلّ همهم كان البقاء أوفياء للقَسم الذي أقسموه حفاظًا على علم البلاد وزودًا عن وطنهم لبنان.

جيشنا هو الخط الأحمر الوحيد، وإذا أخطأ أحدهم، لا يعني أن نحاسبهم بالمطلق ونلومهم، فالمحاسبة يجب أن تكون عند حدود المخطئين، حتى تستقيم الأمور.

الجيش له مكانة خاصة في صلواتنا، فعندما نرفع الدعاء لأجل حكّامنا، نذكر أيضًا جنودهم. فهذا الجندي، أو ذاك الضابط، في مهماته، يضع دماءه على كفّيه. وفي مناسبات عديدة يصدف وجود عناصر الجيش في باحات الكنائس وكافة دور العبادة، لتأمين أمن المصلّين وأماكن العبادة، وفي مناسبات دينية أخرى ومتنوعة، يرفضون قبول نقطة ماء، أم ضيافة بسيطة، فلا يغادرون أماكن الإحتفالات قبل ذهاب آخر شخص من باحة الإحتفال.

هذا غيض من فيض لا ينضب. وبالأمس القريب تسامرت مع أحد الضباط الجدد، حول بعض الأمور الأخلاقيّة والإجتماعيّة والإنضباطيّة، فوجدت نفسي أمام قامة من الفهم والعقل والتعقّل، وهو لم يتخطَ بعد النجمة الواحدة على كتفه، فشعرت بالفخر والإعتزاز بهذه الكلّية الحربية، التي هي صنّاعة الرجال الرجال، بكل ما للكلمة من معنى.

إخوتنا وأبناؤنا وبناتنا في ​المؤسسة العسكرية​، مباركٌ عيدكم، ومباركة البطون التي أنجبتكم، ومباركٌ ولاؤكم لمؤسستكم ووطنكم وقسمكم.

وفي المناسبة أدعو كلّ أبناء هذا البلد في دول الإغتراب، إلى دعم المؤسسة العسكرية، ماديًا وعينيًا ومعنويًا، ليبقى ويستمر عناصره في تأدية الواجب، في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها. هذا ليس من باب الإحسان إنما من باب الواجب الوطني والأخلاقي.

كما أنّ على المسؤولين في البلد، أن يرفعوا أيديهم عن هذه المؤسسة، ولا يسيّسونها ويطيّفونها ويمنعون عنها التزوّد بالأسلحة النوعيّة، والقيام بواجبها الوطني، حتى يصبح الجيش الملاذ الأول والأخير في حفظ الوطن، في الداخل وعلى الحدود وفي كلّ شبر من أرضه، وألاّ يكون رهينة لأحد. وعلينا كمواطنين أن نكون إلى جنبه ومعه وأمامه، عندما الواجب ينادي.

حماك الله يا جيش بلادي، حفظك من كل شرّ ومن كل مكيدة ومن كل مؤامرة. ثبّت الله خطواتك في كل عملٍ صالح، ومنحك الثبات في الحفاظ على القسم. وليعلم كلّ فردّ من أفراد جيشنا أننا لن ننسَ تضحياتكم وشهداءكم والجرحى والمعوقين منكم، أنتم في صلواتنا وأدعيتنا لتبقوا فخر البلاد والعباد.