طغت في الأيام الماضية التحليلات حول ما يمكن أن يحصل من تحركات في الذكرى السنوية الأولى ل​انفجار مرفأ بيروت​ التي تصادف اليوم، من دون أن تملك أيّ جهة جواباً واضحاً حول حقيقة ما قد يحصل على أرض الواقع، خصوصاً أن ليس هناك من جهة واحدة منظمة بل مجموعات مختلفة لكل منها برنامجها وتحركها الخاص.

حتى الساعة لا تزال المعلومات متضاربة، لكن لدى بعض الأوساط معلومات عن أن التحركات لن تنتهي اليوم بل ستستمر لعدّة أيام، بالإضافة إلى إمكانيّة حصول أعمال شغب على أبواب ​المجلس النيابي​، إلا أنّ المفارقة تبقى الدعوات التي توجّه إلى أهالي الضحايا للتنبه من محاولات الاستثمار السياسي، لا سيما مع دخول العديد من القوى والشخصيات السياسية على الخط، من خلال طرح العديد من العناوين الخلافيّة.

في هذا السياق، من المفترض توجيه مجموعة من الأسئلة إلى القوى التي تعيش اليوم هاجس هذه التحركات، على أساس وجود "مؤامرة" تستهدفها، لمعرفة ما قامت به من خطوات كي لا تسمح لهذه "المؤامرة" بالنجاح، أو لمنع استغلال أهالي الضحايا من قبل "المتآمرين"، لا سيما أنه بعد مرور عام على الانفجار لم تقدّم أيّ رواية سليمة حول حقيقة ما حصل، لا بل لم يتمّ محاسبة أي من المسؤولين عما حصل.

الجواب الواضح حول ما قامت به تلك القوى يكمن بالسجال المستمر حول موضوع ​الحصانات​، حيث الرفض المطلق لرفعها للتحقيق مع مجموعة واسعة من المسؤولين السياسيين والأمنيين، بينما كان الحد الأدنى المطلوب من قبل الأهالي أن يذهب الجميع إلى التحقيق، نظراً إلى أن حجم الجريمة لا يسمح بالإستمرار في المماطلة أو محاولات التهرب من المسؤولية من أيّ جهة.

هذا الواقع، هو الذي سيدفع، بشكل أساسي، الكثيرين إلى المطالبة بتدويل الملفّ أو الذهاب الى تحرّكات صداميّة مع القوى الأمنيّة، كمثل التظاهر أمام منازل بعض المسؤولين، الأمر الذي تعتبره تلك القوى من الخطوط الحمراء التي لا يمكن الموافقة عليها، مع العلم أن بعضها بدأ يرفع هذه الورقة كي يحوّل الملف إلى مادة انقسام سياسي من العيار الثقيل، تضيع معها الحقيقة التي يريدها أهالي الضحايا.

وبالتالي، من سيرفض الطروحات التي ستطلق أو أشكال التحركات التي ستحصل اليوم عليه أن يسأل نفسه عن الخطوات التي قام بها، على مدى عام كامل، لمنع الوصول إلى هذه اللحظة، قبل أن يرفع لواء "المؤامرة" التي قدّم لها، هو نفسه، كل مقومات النجاح، من خلال عدم ضغطه لمعرفة حقيقة ما حصل ومحاسبة المسؤولين.

بالتزامن، لن يكون هذا الملف هو الوحيد الذي سيطرح من قبل المتظاهرين في التحركات اليوم، خصوصاً أن هناك من سيعمل على الاستفادة منه لطرح برامجه الخاصة، سواء كانت على المستوى الحكومي أو على المستوى الانتخابي، لكن السؤال يبقى ماذا فعلت القوى التي تعتبر نفسها متضررة لمنع حصول ذلك؟!.

تلك القوى، بالحد الأدنى، لم تبادر إلى القيام بأيّ خطوة للحدّ من تداعيات الإنهيار الحاصل على كافّة المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، بدليل الفراغ القائم على المستوى الحكومي منذ ما يقارب العام، حيث حالت الخلافات على الحصص والمغانم الوزارية من الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، بالرغم من أن رئيس الحكومة المكلف حالياً نجيب ميقاتي هو الشخصية الثالثة التي تكلف بهذه المهمة، بعد السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري.

في المحصّلة، بحال خرجت التحركات الشعبيّة اليوم عن السيطرة، بسبب وجود "مؤامرة" أو أيّ أمر آخر، فإنّ المسؤولية تقع على عاتق القوى السّياسية التي سترفع هذا العنوان، نظراً إلى أنها ساهمت في الوصول إلى هذه المرحلة بأفعالها وتعنّتها وعدم إدراكها بأنّ المطلوب منها اعتماد نهج مختلف عن الماضي.