مرّ عام على استقالة رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ حسّان دياب من دون أن تنجح القوى السياسية في الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة، بالرغم من تكليف 3 شخصيات لهذه الغاية: السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، الأمر الذي تُطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام حول جنس المسؤولين في البلاد، نظراً إلى أنّ التداعيات التي تترتب على الاستمرار في سياسة التعطيل طالت كل بيت لبناني تراجعاً في مستوى معيشته، وتهديداً لأمنه الصحي والغذائي.

عند استقالة حكومة دياب، كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء بحدود 7500 ليرة، بينما يتجاوز اليوم عتبة 20 ألف ليرة، كما أنّ ​المحروقات​ كانت متوفرة على أساس سعر صرف 1500 ليرة، بينما هي اليوم غير متوفرة بالرغم من أنها باتت تسعر على أساس سعر صرف 3900 ليرة، الأمر الذي ينعكس على العديد من القطاعات، بسبب أهمية مادة المازوت، خصوصاً بالنسبة إلى قطاع المولّدات الخاصّة الّذي يؤمّن ​الكهرباء​ بسبب العجز الحاصل على مستوى كهرباء لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، لم يكن المواطنون يعانون من فقدان ​الأدوية​ والمستلزمات الطبّية أو حليب الأطفال، لكن اليوم بات تأمين المواطن للدواء بمثابة الحلم الذي يسعى ساعات طويلة لتحقيقه، بالرغم من أنه بات هناك أكثر من سعر يتم التداول فيه، لدرجة أن رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي لا يتردد في الإعلان أن الأمور خرجت عن السيطرة.

قبل استقالتها بنحو الشهر، أي في تموز من العام 2020، أعلنت حكومة دياب عن السلّة الغذائية المدعومة، التي لم يصل منها إلى المواطنين إلا ما ندر، بسبب الآلية المعتمدة، التي كانت باباً جديداً من أبواب الهدر و​الفساد​، وبالتالي معيشة اللبنانيين التي كانت على أساس سعر صرف 7500 ليرة باتت اليوم تتجاوز عتبة 20000 ليرة، بينما سعر ربطة الخبز، التي توصف بأنها "لقمة الفقير"، ارتفع من 1500 ليرة إلى أكثر من 4000 ليرة.

في حديث لـ"النشرة"، يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور ​جاسم عجاقة​ أن المشكلة لا تقتصر فقط على استقالة الحكومة، حيث هناك العديد الأمور الأخرى التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، منها انتشار فيروس كورونا المستجد وانفجار مرفأ بيروت، ما يعني أن البلاد كانت أمام أزمة متعددة الجهات، ويلفت إلى أنّه بحسب الدستور اللبناني الحكومة هي من تتولى السلطة الإجرائيّة، أيّ أنّ لها حصريّة القرار الاقتصادي في البلاد، وبالتالي منذ استقالتها توقّفت كل القرارات.

بالإضافة إلى ذلك، يتحدّث عجاقة عن غياب هيبة الدولة بسبب عدم وجود حكومة فعلية في الوقت الراهن، نظراً إلى أن ليس هناك من سلطة فعلية قادرة على تطبيق القوانين، ويؤكّد أن القسم الأكبر من معاناة اللبنانيين سببه هذا الأمر، كما يلفت إلى توقّف النشاط الاقتصادي في البلاد، حيث من يعمل هم التجار بالدرجة الأولى، بينما حركة القطاعين الصناعي والزراعي ضعيفة، مع العلم أنّ غالبية العاملين في القطاعين هم من غير اللبنانيين.

في حصيلة هذا العام، يشير عجاقة إلى ارتفاع في مستويات الفقر والبطالة وانهيار الأمن الغذائي، أيّ ضرب الأبعاد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنقديّة التي تؤثر على المواطنين، من دون تجاهل الواقع الذي يعاني منه القطاع الصحي، حيث يعتبر أنّ الكارثة ستكون كبيرة جداً في حال انتشار المتحور دلتا في البلاد وارتفاع عدد الاصابات، نظراً إلى أن المستشفيات لن تكون قادرة على استقبالهم.

من جانبه، يشير الباحث في الدولية للمعلومات ​محمد شمس الدين​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الأساس هو ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، نظراً إلى التداعيات التي تركها على مختلف جوانب الحياة، ويلفت إلى أن السلّة الغذائية لأسرة من 5 أفراد كانت تكلف نحو مليون ليرة، بينما هي اليوم تبلغ نحو مليونين ونصف المليون ليرة.

وفي حين يوضح شمس الدين أن جميع ​الأسعار​ ارتفعت على نحو كبير جداً، يشير إلى أن الرواتب و​الأجور​ لا تزال على قيمتها السابقة، بينما كلفة الدعم كانت نحو 8 مليارات دولار، ما يوازي نصفها كان على المحروقات، التي ذهب القسم الأكبر منها إلى التهريب أو إلى فئات لا تستحق الدعم.

بعد ما يقارب العام، لا تزال التبريرات هي نفسها، بالنسبة إلى عدم ​تأليف الحكومة​، حقوق الطوائف والمذاهب والدفاع عن الصلاحيّات والرغبة في الحصول على وزير اضافي أو حقيبة معينة، ومن يسمع تصريحات المسؤولين يظن بأن البلاد تمرّ بأفضل مرحلة في تاريخها، حيث لديهم الوقت للاستمرار في النهج نفسه، الذي كان معتمداً على مدى سنوات طويلة وقاد إلى الواقع الذي نحن عليه اليوم.

التوصيف الدقيق لما يحصل أنّ هؤلاء، دون استثناء أيّ منهم، يأخذون اللبنانيين رهائن في صراعاتهم التي لا طائل منها، يفاوضون، حتى الساعة، على معاناتهم لكن لا شيء يمنعهم من المفاوضة على دمائهم في المستقبل، في حال وجدوا أنّ مصالحهم تتطلب ذلك، نظراً إلى أن الأولوية تبقى دائماً لتلك المصالح لا لأيّ أمر آخر، حتى ولو كان العالم أجمع يطالبهم بالتوقف عن ذلك.