375 يوماً و​لبنان​ بلا حكومة في أصعب مرحلة تمرّ في تاريخه، وهذا إن دلّ على شيء فعلى "لا مبالاة" القوى السياسية فيه، والتي أثبتت طوال الأشهر الماضية أنها لا تبالي بمصير الشعب بقدر ما تبالي بمصيرها السياسي.

معارك سياسية على "مدّ النظر" تُخاض على حساب شعب لم يعد يجد قوت يومه، ناهيك عن أزمات المحروقات و​الدواء​ و​الكهرباء​، والجديد الذي يستوجب الوقوف عنده اليوم هو "أزمة التعليم"، فطلاب لبنان منذ دخول "​الكورونا​" الى بلدهم لم يتلقوا التعليم اللازم، أقلّه نسبة كبيرة منهم، فعندما نجد أن نسب النجاح بالشهادات الرسمية وصلت الى مستويات غير مسبوقة، يمكننا معرفة مستوى التعليم، وهذا سيخلق مشكلة كبيرة بعد 10 سنوات من الآن، لأنّ الجيل الحالي سيكون جيل الشباب في سنوات.

اذا أردنا عدّ الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون قد نحتاج الى أيّام، ولكن الأسهل إذا تحدثنا عمّا "فعلت السلطة السياسية لشعبها"، والجواب البديهي هنا "لا شيء"، وإذا أردنا الغوص بالجواب أكثر، نجد أنها فعلت ما يزيد من شقائهم.

قامت "ثورة 17 تشرين الأول 2019" التي لن ندخل في بحث تفاصيلها، ولكن منذ ذلك التاريخ تبيّن أن لبنان متّجه إلى أزمة ماليّة-مصرفيّة، ومع ذلك لم تُقر القوانين التي تحمي ​أموال المودعين​، فاستمر النزف للخارج، إلى أن وقع انفجار 4 آب المشؤوم، فطارت الحكومة، وبات ​المجلس الاعلى للدفاع​ "حكومة مصغّرة"، ولكنّه بلا أنياب، وعندها بدأت رحلة المعارك السياسية، وتدهورت أحوال اللبنانيين.

في قطاع الدواء، لم يفكر أحد باعتماد أدوية الجينيريك، والحجّة منذ عام تقريباً كانت أن توقيع العقود والاستيراد يحتاج الى وقت، فمرّ الوقت ووقعت أزمة الدواء ولم نتحرك لاستيراد "الجينيريك". في المحروقات نفس الامر، ​مصرف لبنان​ يصرف أموال الناس والقوى السياسية تتفرج، وعندما انتهت الأموال اتّهموا المصرف بتفجير الوضع، ولم يسألوا أنفسهم أين كانوا منذ عام ونيّف! أين الحكومة والإصلاحات والتفاوض مع ​صندوق النقد الدولي​ والجهات الدائنة؟ أين ​البطاقة التمويلية​ التي تؤجّل شهراً بعد شهر لاعتمادها جزءاً من الحملات الإنتخابية قبل ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة؟ أين ​ترشيد الدعم​ منذ عام؟ أين تحسين وضع الكهرباء؟ أين الحرب على المتلاعبين بالدولار كما يشاؤون، وأين معاقبة المحتكرين والمخزّنين؟.

تعيش القوى السياسية في عالم خاص بها، وكأنّها لا ترى ما يحصل أمام الأفران، والمستشفيات والصيدليات و​محطات المحروقات​، تتفاوض حول حصصها وكأنّ الوطن بأفضل حال، يتنافسون على حكم "خرابة" تتجه لمزيد من الإنهيار. من هنا يمكن قراءة مسار ​تشكيل الحكومة​ الحاليّة بين رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​ والحكومة المكلّف ​نجيب ميقاتي​، فكل الجو التفاؤلي يُبدّد بتصريح يُنسب لمصادر من هنا، ومعلومات صحافيّة من هناك، فيرتفع الدولار من جديد.

كثر هم الأطراف الذين لا يريدون حكومة، إلا اذا كانت بشروطهم وبما يناسبهم، لذلك ربما لن ترى الحكومة النور، فالقوى السياسية عديمة المسؤولية لن تتحرك إلا وفق مصالحها.