تخلّف الأزمة الإقتصادية في لبنان تداعيات خطيرة على البلد، بكل قطاعاته. لا يمكن تحييد مؤسسة لا مدنية ولا عسكرية ولا أمنية عن تلك التداعيات. يمكن رصد أبسط المسائل وأكثرها دلالة، مثلاً، عندما يعجز الموظفون عن الوصول الى دوائرهم وأماكن عملهم بسبب عدم توافر وسائل النقل التقليدية، ولا يستطيع العسكريون، بمن فيهم الضباط، تأمين كلفة المحروقات وصيانة سياراتهم، للإلتحاق بالثكنات، وخصوصاً الذين ينتقلون مسافات طويلة بسبب بُعد مراكز الخدمة والعمل عن منازلهم، فإن ذلك يجرّ أسئلة عميقة وخطيرة: كيف يمكن انتظام عمل المؤسسات؟ هل تبقى الادارات تؤمن المهام المطلوبة منها؟ هل يستطيع الجيش والقوى الامنية قادرة على الثبات كضمانة للبلد والمواطنين؟

لا يُمكن ان تعمل المؤسسات، في حال بقي الموظف عاجزاً عن الوصول الى مركز عمله: هناك ادارات اتخذت قرار حضور الموظفين يوماً واحداً في الاسبوع. قد يكون الأمر ممكناً لمدة شهر او شهرين، لكن المضي في هكذا مسار يعني موت الادارات والخدمات الى حد نهاية مفهوم الدولة.

لكن، ماذا عن المؤسسات العسكرية والامنية التي تؤمن انضباط البلد؟ تزداد حاجات اللبنانيين الى الجيش تحديداً، الذي يُطلب منه الحضور عند كل مشكلة لضبط الأمر ومنع التفلت: صار الانتظام في طابور محطة الوقود يتطلب وجود سرية عسكرية. وهل يمكن لمؤسسة عسكرية انهكتها الازمة المالية في البلد ان تلبي حاجات الناس اليها امام افران الخبز، والصيدليات، والمستشفيات، ومحطات المحروقات، وعند كل زاروب وحي وشارع؟! كيف لهذا الجيش ان يوزع عسكرييه على كل المُتعبين بسبب تراجع قيمة رواتبهم الشهرية التي لم تعد تكفي لتأمين تنقلاتهم وابسط حاجياتهم المعيشية؟ كلما حصل حادث سير، او اشكال بين الجيران، او ضمن العائلة الواحدة، او لأي سبب تافه او معقّد، يُطلب من الجيش التدخل.

هذه المؤسسة العسكرية تلبي النداءات، رغم كل انشغالات الويتها وافواجها، لكن الى متى تستطيع الصمود؟

يروي عسكريون امام عائلاتهم ان الضباط يسعون الى مؤازرتهم بناء على توجيهات قائد الجيش العماد جوزف عون في تأمين بدلات تنقلات العسكريين، والاتفاق مع اصحاب سيارات نقل "فانات"، للتخفيف من وطأة الازمة المالية. وعُلم ان قائد الجيش انجز اتفاقية لشراء باصات كبيرة لوضعها في خدمة العسكريين خلال تنقلاتهم من مناطقهم الى مراكز الخدمة.

يحاول العماد جوزف عون ان يجد حلولاً تحدّ من تأثير الازمة الاقتصادية على العسكريين قدر المُستطاع، وهو يجول في عواصم دولية لعقد اتفاقيات وتأمين وصول مساعدات للجيش اللبناني. وبحسب مصادر مطّلعة فإن هناك اهتماماً دولياً لافتاً بمساعدة الجيش اللبناني لمنع انهياره بسبب تداعيات الأزمة. لا تهتم العواصم لمسار السياسة اللبنانية، بسبب الخلافات بين القوى التي تعطّل تأليف حكومة منذ سنة لغاية الآن، بل تنطلق العواصم الدولية من اولوية الحفاظ على الامن في لبنان، ومنع تحول البلد الى ساحة فوضى، لا غير. ان ذلك يستوجب عندهم دعم المؤسسة العسكرية في لبنان التي يؤكد وجودها بقاء الدولة قائمة، رغم كل مظاهر التفكك السياسي او الاداري.