لغاية ساعة متأخرة من ليل الخميس كان رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ يؤكد أمام المقرّبين منه "أن أمر ولادة الحكومة يتوقّف على نتائج الاتصالات التي ستجري صباح الجمعة"، بعدما كان حصل تقدمٌ نوعي على خط بعبدا-بلاتينيوم. كان يُدرك كلٌ من رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ وميقاتي والقوى السياسية الفاعلة أن ولادة الحكومة يجب ان تتم قبل نهاية الاسبوع الجاري. لماذا؟.

أولاً، تزاحمت مؤشّرات خارجية، دفعت منطقياً القوى اللبنانية نحو الاستفادة من اللحظة السياسية الإقليمية، وتوظيفها في انتاج حكومة. علماً ان أجواء ميقاتي كانت منذ ساعة تكليفه تضع في أولوية حساباتها إعتذاره في حال طال مشوار التأليف. لكن حلّت تلك المؤشرات الخارجية تحمل معها زخماً زوّد ملف ​الحكومة اللبنانية​ بالأكسجة المطلوبة: أتى الإتفاق الإيراني-الفرنسي الضمني يُرخي بظلاله على الإقليم. تحتاج ​باريس​ ل​طهران​ جرّاء دخول شركة توتال الفرنسية في مسار الإستثمار النفطي الضخم في العراق. كان لبنان في صلب اهتمام العاصمتين، كما أظهرت وقائع الاتصال الثاني بين الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والإيراني ابراهيم رئيسي. بمجرد توزيع مضمون الاتصال بشأن لبنان، وصلت الرسالة الى بيروت مفادها ان توتال زوّدت مولّدات التأليف الحكومي بالطاقة.

يعلم المراقبون أنّ الاميركيين والايرانيين يحضرون لصياغة اتفاق دسم، رغم كل النبرة العالية التي تستخدمها الدولتان. مما يستوجب استقراراً اقليميا، تعزّزه محاولات الاردن وروسيا ايجاد تسوية في جنوب سوريا أكدتها مستجدات درعا لإنهاء ظواهر ونفوذ المجموعات المسلحة كلّياً.

كما جاءت الخطوة الاميركية لدفع الغاز المصري نحو لبنان عبر الاردن وسوريا، فاستلزم زيارات واجتماعات ستكملها الحكومة الجديدة.

كلها مسائل اوجبت الاتفاق الداخلي لانتاج الحكومة التي ولدت بعد أخذ ورد: زادت اللقاءات بين الوسطاء في لبنان، خصوصاً بين صهر آل ميقاتي مصطفى الصلح ورئيس التيار "الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​. كان ينطلق "الصديقان" من قاعدة واقعية متينة: اللحظة مؤاتية لتأليف حكومة مطلوبة داخلياً وخارجياً، ولا خيار أمام عون وميقاتي الاّ الإتفاق. هناك من يعتبر ان التسوية التي صنعها "الصهران" لم تقتصر على توزيع حقائب واسماء وزاريّة، بل أزالت مطبّات موجودة على خط بعبدا-بلاتينيوم. هناك تسوية ما وُلدت عملياً تتخطى حدود التشكيلة الحكوميّة، وتطال كيفيّة ترتيب العلاقة بين الاثنين. يعرف باسيل تحديداً أنّ ميقاتي بات زعيماً سياسياً على مستوى الطائفة الاسلاميّة السنيّة والبلد، ولا بدّ من التعامل معه على هذا الاساس، خصوصا ان رئيس "الوطني الحر" يتابع سلوك طريق مشاكسة رئيس الحكومة الاسبق ​سعد الحريري​.

هناك مصلحة ميقاتيّة ايضاً بفتح صفحات سياسية جديدة في لبنان، أولاً لإنجاح الحكومة، وثانياً لتثبيت زعامته الصاعدة من دون مشاكسات سياسية. لم يعد هناك أيّ خصم سياسي عنيد يقف في طريق ميقاتي: هو حليف وشريك رؤساء الحكومات السابقين. تربطه علاقات قويّة ومتينة مع رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، وجيدة مع "​حزب الله​". يمكن وضع كل القيادات السياسية الفاعلة الأخرى في خانة اصدقائه. مما يعني أنّ وضع قواعد ضابطة لعلاقته مع العهد، ستترك تداعيات ايجابية.

من هنا، حين يحلّ السؤال البديهي: من نال الثلث المعطّل في الحكومة؟ يأتي جواب المطّلعين: وهل ستكون الحكومة جبهات متصارعة؟ لذا، فإنّ جوهر التسوية يقوم على أساس التوافق في عمل الحكومة الجديدة. عزّز هذا الأمر طرح اسماء وفاقية تُرضي كل القوى. هناك عدد من الوزراء ينسجمون مع مختلف الافرقاء. لذا، غاب الحديث عن الثلث المعطل او الضامن: لا يمكن تصنيف ​وزير​ الشباب والرياضة د. جورج كلاس مثلاً في أي خانة سيّاسية. كذلك ينطبق الأمر على عدد من "الوزراء الملوك".

تنطلق روح التسوية التي صاغها "الصهران" من الرغبة بالوفاق الحكومي لا التصادم بين عون وميقاتي تحديداً. يعرف الفريقان ان أيّ خلاف سيضرّ بهما، ويطيح بآمال الناس، ويُغضب العواصم الخارجيّة التي تستعد لتأمين وتسهيل مساعدة لبنان لتخطي أزمته. لا الثلث موجوداً عند أيّ فريق، ولا الثلث سيُستخدم من قبل أيّ فريق، بعدما حلّ قرار تأليف الحكومة للعمل لا للمشاكسات والصدامات.