قد يكون هذا الإعلان إعلانًا عاديًّا إلّا أنّه ليس كذلك.

لماذا؟ لأنّه يحوي وطنيّة وثقافة ورجالًا عندهم إيمان وكرامة.

الجوقة تحمل تراثًا كبيرًا تناقلته الأجيال، فيه كثير مِن الرقيّ والفرح. شعراء الجوقة غنّوا الوطن بكلماتٍ وألحانٍ شعبيّةً عميقة في معناها وسلسة في صياغتها.

أعضاء الجوقة شعراء، وشاعر الزجل ذكي جدًا ينتقي الكلمات بمهارةٍ كبيرةٍ ويدرجها في جملٍ تنتهي بقافية.

وعندما نستمع إليها وهي خارجة مِن حناجر مليئة بتراثٍ توارثته أجيال، ندرك كم هي مفعمة بجذور الأرز الخضراء الشامخة، وبنسيمٍ عليلٍ ساح في وطن اللبان، وطن ذكره الله في كتابه المقدّس، فلا نستطيع عندها إلّا أن نقول: هذه فرادة وطن اسمه لبنان.

زجلهم جال الوطن مِن شرقه إلى غربه، ومِن شماله إلى جنوبه، فينطرب معه المستمع وهو يلتهم البندورة الجبليّة الشهيّة والفخمة، ويرفع كأسًا مِن لون قمم جبالٍ أبت أن تنحني، مليء بعصيرٍ مِن نتاج الكروم المتدليّة والذهبيّة التي تلوّنت بخيوط الشمس الدافئة وانصبغت بالأرجوان الخمري والملوكي.

وإلى جانب الجوقة الزجليّة خطيبان حملا راية العلم والمعرفة والأدب والفلسفة.

الأب ميشال الحايك الدكتور اللامع الذي عشق وطنه، هذا الوطن الذي وطئه الرب، فانكب يكتب عنه مقالات حثّت الشباب على درب الإنجيل والأخلاق والتربية الصالحة والأمانة والوطنيّة. وبات اسمه مرادفًا لأبحاث باتت دروسًا وعلمًا وخطابة.

ومسك الختام الوجه الشامخ الكبير الدكتور شارل مالك، الذي أبهر الأمم بثقافته المتجليّة، فأُوكل إليه أن يغني الأمم بشرائعٍ عن حقوق الإنسان خلّدت في أعلى منابر المسكونة.

ولإتمام مهمته، رسمَ إشارة الصليب الثالوثيّة وفتح الإنجيل وصلّى، ثم بدأ يخط قوانين جعلت الأمم بأسرها تقول وهي تصغي إليه بشغف واحترام كبيرين: حقًا هذا الرجل مِن وطن الرب. وحقًا هذا الرجل مِن بلد الرسالة والحرف والأبجديّة والإبداع والعلم والثقافة والرقي.

يا لهذه العظمة المجموعة في إعلان واحد عنوانه: لبنان الإنجيل والثقافة والفن.

ولكن يا للأسف، ورقة واحدة كهذه كفيلة أن تظهر كل الفرق بين ماضينا وحاضرنا.

فكثير مِن خطباء اليوم الذين يعتلون المنابر ليسوا بخطباء، بل فرقة "زقيفة" رخيصة ومأجورة تفرش الأرض تحت أقدام أسيادها الذين ذبحوا الوطن، ويسكرون مِن دماء شعبه، وهؤلاء "اليهوذيّون الأسخريوطيّون"، نسبة ليهوذا الأسخريوطي، ينتظرون الفتات التي تسقط مِن موائد أسيادهم ليلتقطوها مكافأة لخيانتهم لبلدهم بأقل مِن ثلاثين فضيّة.

فيا رب ارحمنا.