بالقوة، ومن دون اعتبار لاي عوامل اخرى، دخل لبنان مرحلة ​الانتخابات​ بشكل فعلي، وما كان يحضّر بالسر بات بالعلن، وما كان يقال انه بعيد الامد، اصبح على الابواب، ومن اعتقد ان الازمات والمصائب التي يعاني منها لبنان على اكثر من صعيد ستؤدي الى ارجاء الانتخابات، وجد انه كان مخطئاً وعليه استدراك الوقت الضائع لاعادة الزخم الى وضعه الانتخابي. وعليه، من المتوقع ان يشهد الوضع اللبناني بعض الانتعاش المالي، ليس بفضل خطط ​الحكومة​ او ​الهيئات الاقتصادية​ او غيرها، بل بفعل كميات الدولارات التي سيتم ضخها في هذا البلد، والتي ستفعل فعلها بطبيعة الحال في الانتخابات والنتائج التي ستصدر بعدها. وستنشط وسائل الاعلام على اختلافها لتغطية اخبار المرشحين او بعضهم على الاقل، اضافة الى تقديم المساعدات العينيّة والمالية للمواطنين في مختلف المناطق لاثبات الوجود، وحصد التأييد اللازم.

ولا شك ان حمى الانتخابات بدأت بالانتشار، وهي من شأنها ان تنسج الكثير من شبكات الاتصالات السياسية لبلورة بعض التحالفات الجديدة او الابقاء على بعضها القديم. ومن اولى تجارب هذه الاتصالات، "الجبهة السيادية" التي عقدت اول اجتماع لها، وكانت بمثابة عودة حزب الاحرار الى عالم الحياة، بعد ان كان غائباً عن الساحة لوقت طويل، واخذ على عاتقه تأمين قاعدة مسيحية لمواجهة التيارالوطني الحر والمردة وبعض المستقلين من هنا وهناك. ضم الاجتماع ​حزب القوات اللبنانية​ وحزب "حراس الارز" ولقاء "سيدة الجبل"، لتكون هذه المكونات، اضافة الى الاحرار، الخلطة التي يعوّل عليها لتحقيق التوازن المسيحي. اللقاء اعطى لنفسه غطاء سياسياً مناهضاً ل​حزب الله​، لكن هدفه الحقيقي هو الانتخابات، غير ان علامات استفهام كثيرة بدأت تُطرح منذ انتهاء اللقاء الاول، وتطال مجالات عدة، اهمها الدور الذي تلعبه بكركي في هذا المجال، وهل يهمها بالفعل اتخاذ موقف غير جامع بالنسبة الى المسيحيين، بعد ان فشلت محاولاتها المتعددة في جمع الاطراف المسيحية على كلمة وموقف واحد؟ ولن ينفع في هذا المجال اقامة تشبيه بين "الجبهة السيادية" و"لقاء قرنة شهوان" لان الظروف مغايرة تماماً، وليس هناك من وصي على لبنان يضع جنوده فيه لفرض مواقفه، وليس هناك من غطاء دولي لتأمين الدفع اللازم والمرجو لتحقيق هدف واحد يجمع مختلف الاطراف، خصوصاً بعد ان بدا واضحاً موافقة فرنسا والولايات المتحدة والدول الكبرى على تشكيل الحكومة الجديدة التي ضمت احزاباً وتيارات سياسية كانت تواجه "فيتو" عالي السقف سابقاً. لذلك، فإن الهدف الواحد السياسي الذي يمكن ان يجمع اعضاء الجبهة الجديدة، يبدو بعيد المنال، ولا يبقى سوى هدف وحيد غير معلن وهو الانتخابات، ولكن... هل فعلاً يمكن التعويل على هذا الاستحقاق لجمع الاطراف؟ الجواب ايجابي، لانه معلوم ان الانتخابات غالباً ما تكون فرصة لجمع الاطراف لنيل مصلحة واحدة وهي تحقيق اكبر عدد ممكن من المقاعد، وليس من الضروري ان تكون التحالفات عميقة وطويلة الامد، بل من المرجح ان تكون فترة صلاحيتها قصيرة جداً، وهي غير ملزمة لاحد. واذا ما تم الاتفاق على الحصص الانتخابية (والتي ستكون نسبتها مرتبطة بمدى الشبه الذي يتمتع به كل حزب او تيار)، فسنكون امام جبهة انتخابية وليس سياسية، يستفيد منها من لا يملك حضوراً في بعض المناطق المعروفة بتأييدها لهذا الحزب او التيار، فيما ستنعكس ايجاباً على الاطراف الاخرى الاكثر تواضعاً من حيث التمثيل الشعبي، كونها ستضمن الحصول على اكبر عدد ممكن (ولو كان صغيراً بالاجمال)، لكنه سيعتبر خطوة مهمة للتوسع والانتشار في مناطق لا وجود لها فيها.

انها المصالح التي تجمع، وقد نكون امام باكورة جبهة "مصالح انتخابية" قد تكون فترة حياتها قصيرة، ولكنها ستكون فاعلة على خط العمل الانتخابي، في انتظار معرفة نتائجها الفعلية.