تزايدت الإشارات من الولايات المتحدة الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عشية الحديث عن قرب استئناف مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة الأربعة زائد واحد.. على انّ أبرز هذه الإشارات جاءت خلال لقاء وزيري الخارجية الروسي ديمتري لافروف والإيراني حسين عبد الأمير اللهيان في موسكو.. وتجلت هذه الإشارات برسائل واضحة تعكس استعداد واشنطن لتلبية الطلبات الإيرانية وتوسيط موسكو بحثاً عن صيغة (مخرج) لعودة جميع الأطراف للالتزام بالاتفاق النووي..

الرسالة الاولى، اعلان وزير الخارجية الأميركي انّ لدى واشنطن وموسكو اهتماماً مشتركاً في رؤية العودة المتبادلة للالتزام بالاتفاق النووي مع إيران.. وتحدث مع لافروف حول أهمية الامتثال لهذه العودة ..

الرسالة الثانية، تصريح عبد اللهيان عن تلقي طهران رسائل أميركية، عبر وسطاء، تبدي فيها واشنطن استعدادها لأخذ مصالح إيران في الاعتبار في إطار الاتفاق النووي ..

في جولة المفاوضات الأخيرة جرى الاتفاق على مسودة اتفاق ثم تراجع الأميركي عندما عاد وطرح قضايا غير مدرجة في الاتفاق… اليوم الرسائل الأميركية التي وصلت عبر السفارة السويسرية تقول انّ واشنطن مستعدة للعودة إلى الاتفاق ورفع جميع العقوبات مقابل عودة إيران المتزامنة مع العودة الأميركية للالتزام بالاتفاق…

غير انه تبقى هناك مشكلة تحتاج إلى معالجة وتتعلق بالضمانات الأميركية التي تطالب بها إيران بأن لا تعود واشنطن إلى الانسحاب من الاتفاق في حال تبدّلت الإدارة الأميركية…

في ظلّ هذه المناخات ستستأنف المفاوضات في فيينا… وهي مناخات تعكس تراجعاً أميركياً واضحاً أمام إيران، ويتجسّد هذا التراجع بالاستعداد الأميركي للموافقة على طلبات إيران.. إلى جانب ظهور واضح لتلهف واستعجال واشنطن لاستئناف المفاوضات..

والسؤال الذي يُطرح هو، لماذا هذا التلهّف والاستعجال المصحوب برسائل أميركية إيجابية إلى طهران؟

الجواب يكمن في أنّ واشنطن أدركت استحالة الحصول على ايّ تنازلات من إيران لتعديل الاتفاق أو الإبقاء على بعض العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورفض تقديم ضمانات لإيران بالتزام أميركا بالاتفاق…

وظهر مؤخراً بوضوح انّ تلهّف واشنطن وإلحاحها على طهران للعودة إلى استئناف المفاوضات، فيما إيران كانت تتمهّل ولا تبدي ايّ استعجال وتنتظر إشارات أميركية واضحة بالاستجابة لشروطها… لا سيما أنّ إيران باتت من القوة ما يجعلها قادرة على التمسك بموقفها وأنها مستعدة لكلذ الاحتمالات للاتفاق، وعدم الاتفاق، وهي بلغت مستويات متقدّمة على صعيد التقدّم في برنامجها النووي، ونجحت في كسر الحصار وبناء شراكة اقتصادية مع الصين تجسّدت بالصفقة الاقتصادية المقدّرة بمئات مليارات الدولارات، إلى جانب انضمام إيران لمنظمة شنغهاي… هذا في وقت باتت تدرك فيه طهران ان القوة العسكرية الإيرانية هي التي تمنع ايّ مغامرة أميركية «إسرائيلية»، وانّ برنامجها محمي في حال حصلت الحرب، ولا يمكن تدميره… وهذه كلها من العوامل التي تجعل واشنطن لا خيارات أمامها سوى العودة للاتفاق والاستجابة للشروط الإيرانية… أما في ما خص تبرير إدارة بايدين بأنها لا تستطيع رفع كامل العقوبات لأنّ بعض هذه العقوبات تحتاج إلى موافقة الكونغرس، فإنّ إيران تقول لواشنطن هذه مشكلتك، كما فرضتم العقوبات عليكم رفعها… هذا الموقف الإيراني القوي والصلب مدعوم أيضاً من روسيا التي أعلن وزير خارجيتها لافروف عن دعم روسي لتطبيق كلّ الأطراف التزاماتها بالاتفاق النووي وفق توازن المصالح..

في المقابل لم يعد لدى واشنطن من هامش للمناورة والمماطلة في محاولة تعديل الاتفاق، في أنها باتت أمام موجهة واحد من خيارين:

الخيار الأول، التسليم بشروط إيران وبالتالي العودة إلى الاتفاق النووي من دون أيّ تعديلات، وحفظ حقوق إيران كاملة بما فيها الاحتفاظ بأجهزة طردها المركزية المتطورة.. باعتبار هذا الخيار الأقلّ سوءاً بالنسبة لواشنطن..

الخيار الثاني، رفض الاستجابة لشروط إيران، وبالتالي مواجهة تطور برنامجها النووي إلى مستويات متقدّمة تصل حدود عتبة صناعة القنبلة النووية، واذا أرادت طهران إنتاجها فإنها لا تحتاج عندها سوى إلى اتخاذ القرار، وهو حتى الآن قرار يقضي بعدم إنتاج ايّ سلاح نووي، والحفاظ على البرنامج النووي للأغراض السلمية…

والسبب في انّ واشنطن ليس أمامها سوى هذين الخيارين، هو انّ كلّ خياراتها الأخرى لم تعد ممكنة، فلا خيار استخدام القوة ممكن، بسبب مخاطره الكبيرة على الوجود الأميركي والصهيوني، عدا عن انه لن يفضي إلى تدمير البرنامج النووي، ولا خيار فرض الحصار نجح في تحقيق أهدافه لا سيما انّ إيران تمكّنت من انتهاج سياسة تنمية مستدامة تقوم على تنمية قدرات الإنتاج المحلي من ناحية، ونجحت في كسر الحصار وفرض معادلات ردعية في البحار، إلى جانب توسيع دائرة علاقاتها الاقتصادية بانضمامها إلى منظمة شنغهاي، بعد أن وقعت اتفاقاً للتعاون الاقتصادي مع الصين مدته 25 عاماً، تضخ من خلاله بكين مئات مليارات الدولارات في الاقتصاد الإيراني كاستثمارات في مجالات متعددة…