منذ أول من أمس تتعدد الروايات حول حقيقة ما حصل في منطقة الطيونة من أحداث، حيث سارعت القوى السياسية المعنية بها إلى تبادل الإتهامات بالمسؤولية، لكن في حقيقة الأمر هناك من يتحمل المسؤولية بشكل واضح لا لبس فيه، سواء لناحية التحريض السياسي أو حمل السلاح لإطلاق النار على "الفريق الآخر"، الأمر الذي قاد إلى سقوط عدد من الضحايا والجرحى.

المسؤولية لا تبدأ فقط من الدعوة إلى تحرّك في الشارع في منطقة حسّاسة يعرف الجميع خصوصيتها الأمنيّة والطائفيّة، بل من الخطابات التحريضيّة التي سبقت هذه الدعوة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه يكمن بالأسباب التي دفعت كل من أمين عام "حزب الله" السّيد حسن نصرالله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى الإستمرار في هذا التحرك، رغم علمهما المسبق بما يحضّر من قبل الجانب الآخر، أي رئيس حزب "القوات اللبنانيّة" سمير جعجع، حيث كانت التهديدات المتبادلة على مواقع التواصل الإجتماعي قد انطلقت قبل أيام.

في حال لم يكن يدرك بري ونصرالله ما يحضّر فهذه مشكلة كبيرة، نظراً إلى أن جميع المتابعين كانوا يتوقعون حصول إشكالات ترافق التحرّك المعلن عنه، أما بحال كانا يدركان ذلك فإنّ المشكلة أكبر، خصوصاً أن جولة إستطلاعيّة صغيرة، كان من المفترض أن يقوم بها كل من "حزب الله" و"حركة أمل" قبل إنطلاق تحركّهما، كانت كافية لمعرفة المسار الّذي كانت ستسلكه الأحداث، نظراً إلى أن التجمعات في الجانب المقابل كانت علنيّة قبل ساعات من الموعد المحدّد للتحرك.

هذا الواقع، يتأكّد من خلال كمّية المعلومات التي ضخّت في وسائل الإعلام المقرّبة من الجانبين، بعد ساعات قليلة من وقوع الجريمة، التي لا يمكن أن تكون قد جمعت في وقت قصير، بل على العكس من ذلك هي كانت حاضرة لدى المعنيين قبل وقوع الحادثة، لكن ربما لم يكن لديهم القناعة بأن الأمور قد تتدحرج إلى هذا المكان، وهنا مشكلة إضافية تتعلق بسوء التقدير من جانبهم، لكن سرعة ظهور السلاح المقابل لا تدلّ على أن ما حصل كان حادثاً عفوياً على الإطلاق.

في الجانب المقابل، لا يمكن إنكار مسؤولية رئيس حزب "القوات" عمّا حصل، نظراً إلى أنّ الجميع يدرك حضور حزبه الفاعل في المنطقة التي دارت فيها الأحداث، بالإضافة إلى مسارعة مسؤولين في الحزب إلى تبنّي ما حصل رسمياً، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عمّا يراهن عليه في هذه المرحلة، سواء كان على مستوى الإنتخابات النّيابية أو على مستوى إستدعاء الدعم الخارجي، في ظلّ الدعوات المتكرّرة من جانب بعض الدول إلى أنّ المطلوب مواجهة "حزب الله"، فهل كان يريد أن يقول من وراء ما حصل أنه جاهز لتولّي المهمة، بغض النظر عن الأثمان؟.

مسؤولية كل من جعجع والسيّد نصرالله وبري عما حصل لا تلغي مسؤولية الأجهزة الأمنيّة أيضًا، التي من المفترض بها أن تتولى حماية المواطنين وأملاكهم، فلماذا لم تبادر إلى إتّخاذ الإجراءات التي تحول دون وقوع الحادثة، خصوصاً أنها من خلال أجهزتها من المفترض أن يكون لديها كامل المعلومات حول الإحتمالات أو السيناريوهات المتوقّعة، مع العلم أنّها تدّعي الحرفية التي تسمح لها بكشف مخططات الجماعات الإرهابيّة الموجودة خارج الحدود؟.

وهنا قد يكون من المفيد الإشارة إلى أنّ الإجراءات التي اتّخذت، بعد الحادثة، كان من الممكن أن تمنع حصولها فيما لو اتّخذت قبل وقوعها، ولا يمكن فهم تصريح وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي، الذي تحدث عن أنّ الأجهزة لم تكن تتوقّع ما حصل، لأنّ مسؤوليتها هي العمل على استباق جميع السيناريوهات ومنع حصولها.

بالإضافة إلى كل المذكورين في الأعلى، فإن مجلس الوزراء مجتمعاً يتحمّل مسؤولية أيضاً عما حصل، حيث لا يمكن له أن يذهب إلى رمي المشكلة إلى الشارع بدل أن يعمل على معالجتها، وبالتالي الجلسة التي أُجّلت، قبل يوم واحد من الحادثة، كان من الممكن أن تقود إلى المعالجة، بدل أن تكون سبباً من أسباب المشكلة الأساسيّة، من دون تجاهل مسؤوليّة باقي القوى السّياسية التي كانت تريد أن تلعب دور "شاهد الزور".

في الختام، الدرس الأساسي الذي يتخذ مما جرى، قد يكون دعوة المسؤولين عما حصل إلى إختيار مكان مغلق يتقاتلون فيه، على أن تكون لديهم الحرية الكاملة في إستخدام الأسلحة التي يرونها في هذا القتال، على أمل أن تكون النتيجة النهائية في صالح الشعب اللبناني لا على حسابه، كما يحصل في كل جولة قتال يختارها هؤلاء.