لبنان وطن العيش المشترك، حلم بعيد المنال. لبنان الحضارات والأديان والثقافات المتنوعة، بات بحكم الملغى أو مع وقف التنفيذ، لبنان الوطن أضحى أوطاناً، لكل طائفة مساحتها الجغرافية الخاصة، زعماء الطوائف اتفقوا على اقتسام مساحة الوطن، حوّلوا الوطن إلى حظائر طائفية، لكل حظيرة انتماؤها السياسي الخاص.

لبنان الوطن الواحد تراه فقط في نصوص الدستور، دستور لبنان اغتالته الممارسات الطائفية المقيتة، الطائفية البغيضة نجحت في تقسيم لبنان الوطن.

بعضهم يطالب بحياد لبنان عن محيطه العربي مفضلاً الارتهان للغرب، فاختار التقوقع والانعزال رافضاً هوية لبنان العربية، أما البعض الآخر فقد اختار لبنان العزة والكرامة، لبنان السيادة الحرة.

في لبنان مقاومة شريفة، قدمت خيرة شبابها قرابين الشهادة، دفاعاً عن أرض وثروات لبنان، وفي لبنان انعزاليون يتربصون بالمقاومة شراً تنفيذاً لأوامر البيت الأبيض والعدو الصهيوني.

في لبنان معادلة ذهبية قوامها «الجيش، والشعب، والمقاومة»، المعادلة حققت توازن الردع ضد العدو الإسرائيلي، المقاومة لم تعد قوة محلية لأنها طورت قدراتها وخبراتها، وصارت قوة إقليمية وازنة، أسست لتحقيق معادلة إقليمية ماسية، قوامها «سورية العروبة وإيران والمقاومة».

تهمة المقاومة اللبنانية هي الدفاع عن لبنان، وجعله قوياً في مواجهة العدو الإسرائيلي، لبنان بمقاومته قهر جيش العدو الذي لا يقهر، العنجهية الإسرائيلية صارت من الماضي، ألغيت مقولة «قوة لبنان في ضعفه» عملاء أميركا وإسرائيل في لبنان لم يرق لهم لبنان القوي، أوكلت إليهم مهمة أميركية إسرائيلية سعودية مشتركة، هدفها النيل من سورية العروبة وإغراق لبنان والمقاومة بحرب مذهبية طائفية.

حاصروا لبنان اقتصادياً، لم يأت الحصار أكله. حاولوا افتعال الفتن وفشلوا، حاولوا تأليب جمهور المقاومة لم ينجحوا، جربوا الحملات الإعلامية المزيفة ولم يفلحوا، حاولوا وصف المقاومة بالميليشيا الإيرانية وأخطؤوا، وصفوا المقاومة بالإرهاب لكنهم خسئوا، لجؤوا إلى كمين خلدة لجرّ المقاومة إلى حرب استنزاف ولم يفلحوا، نصبوا الكمائن القضائية بقضية انفجار مرفأ بيروت ولم ينفذوا، نظمت المقاومة مسيرة سلمية احتجاجاً على ارتكابات مشبوهة للمحقق العدلي، الذي أراد توجيه اتهام باطل ضد المقاومة تنفيذاً لأوامر أميركية، وبعدما عجزوا نصبوا «الكمين الشيطاني».

عملاء أميركا وإسرائيل في الداخل اللبناني، نفذوا المهمة الأميركية الإسرائيلية السعودية الموكلة إليهم، أظهروا مشروعهم الطائفي الفتنوي، أفلتوا حقدهم من عقاله، ونصبوا للمقاومة وجمهورها كمين الغدر الشيطاني في منطقة الطيونة.

أطلقوا نيران القناصة على رؤوس الأبرياء، الهدف القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد، فكانت حصيلة إجرامهم 7 شهداء قتلوا غيلة وبدم بارد.

الرغبة في القنص والقتل، لم تكن وليدة الساعة أو نتاج حالة طارئة، بل إنه فعل إعداد وتجهيز مسبق لمسرح الجريمة، وقعت الواقعة الجرمية بكل ما تعني وعن سابق تصميم وترصد.

المجرم ارتكب جريمته البشعة، دماء الشهداء على الطرقات، وفي المساء، ظهر المجرم القاتل على الشاشة في مقابلة تلفزيونية، وبكل وقاحة وتفاخر، نفث كل حقده وطائفيته، معترفاً بجريمته الشنيعة، حيث قال: إن ما حصل في الطيونة عبارة عن ميني 7 أيار «مسيحي». في إشارة إلى تصدي المقاومة لقرار الحكومة اللبنانية آنذاك في أيار عام 2008 وبضغط أميركي، القاضي بقطع إمدادات المقاومة المخصصة للتخابر الداخلي.

إذاً المجرم اعترف بجريمته، مقدماً أوراق اعتماده للمثلث السعودي والأميركي والصهيوني، لإكمال مواصفات الرجل المعتمد في لبنان، وليثبت أنه يملك من الجرأة ومن والرجال والعتاد الحربي ما يؤهله على خوض حرب أهلية تستنزف المقاومة.

الفرق بين التحسس والتجسس نقطة، أما في التفسير فيوجد بون شاسع، فالتحسس تعني تتبع الخير للناس وأحوالهم، أما التجسس فهو فعل خسة ونذالة في مراقبة الناس خفية، ونصب الكمائن القاتلة، يعني تأبط الشر بالناس الأبرياء لاقتناص الفرصة السانحة، ما يسمح للمتجسس ارتكاب جريمته المروعة من وراء جدر وما أكثرهم في لبنان.

المجرمون في لبنان هم كثر، ما زالوا مجرمين، لم تغيرهم سنوات الحرب الدامية، لا ترهبهم دماء ولا أرواح المظلومين الأبرياء، لا يهمهم لبنان العيش المشترك، همهم ازدهار تجارة القتل، وافتعال الفتن الطائفية، ضرب المقاومة الشريفة في سلم أولياتهم، الارتماء في أحضان العدو الإسرائيلي، بند أول على جدول أعمالهم، فدرلة لبنان لإعلان دولتهم الطائفية مبتغاهم، التطبيع والاعتراف بالعدو الصهيوني مرادهم.

خطأ المقاومة اللبنانية، يكمن في دخولها زواريب المعترك السياسي الفاسد في لبنان، خطأ المقاومة أنها حريصة على السلم الأهلي، خطأ المقاومة الشريفة أنها أرادت محاربة الفساد والمفسدين في لبنان، خطأ المقاومة أنها أرادت لبنان وطناً قوياً عزيزاً سيداً مستقلاً غير مرتهن، خطأ المقاومة أنها ناصرت القضية الفلسطينية العادلة، خطأ المقاومة أنها تمتلك القوة التي ترعب العدو الإسرائيلي، خطأ المقاومة أنها دافعت بإخلاص ولم تزل عن قلب العروبة النابض سورية، خطأ المقاومة أنها لم ترد استثمار وتسييل انتصاراتها في الداخل اللبناني حرصاً منها على بقاء لبنان وطناً لجميع أبنائه وطوائفه.

لم يعد خافياً مساومة بعض حلفاء المقاومة على المقاومة ذاتها، لم يعد خافياً أن بعض حلفاء المقاومة ساوموا الأميركي بالإغفال عن بعض حقوق لبنان البحرية طمعاً بمنصب رئاسي، لم يعد خافياً استعداد بعض حلفاء المقاومة الغدر بالمقاومة، حين تسنح لهم الفرصة.

ذنب المقاومة أن أمينها العام السيد حسن نصر الله القائد المؤمن المتوكل على الله، يحكّم ضميره الإنساني في كل أمر، وهو الصادق الأمين الذي يمتلك الحكمة والصبر والبصيرة وهو الذي يشعر بالأم الوطن وبوجع الناس ومعاناتهم، وهو المؤتمن الحريص على وحدة الوطن وعلى العيش المشترك فيه وبكل طوائفه.

بين المُقسط والقاسط

السيد حسن نصر الله هو المقسط، والمقسط تعني العادل المنصف المؤتمن والله يحب المقسطين، أما القاسط فتعني الظالم الجائر، وهذا ما ينطبق على صاحب السجل الحافل بجرائم قتل الأبرياء في الكرنتينا، هو نفسه قاتل الرئيس رشيد كرامي، هو ذاته القاسط ناصب الكمين الشيطاني في الطيونة.

نختم بقول الله تعالى:

«وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً».