لا أحد يستطيع أن يحدّد بالضبط دور ومهام وزارة الاعلام في لبنان. مع كل وزير يمرّ على كرسيها تأخذ هذه الوزارة منحى جديدا. والقاسم المشترك بين وزرائها أنهم يفتشون عن دور ومهام لأن لا دور واضحا لوزارتهم. ومن يطّلع على النصوص القانونية المنظّمة لمهام هذه الكرسي، أو يواكب «إنجازات» مَن تعاقبوا عليها يرى انها لزوم ما لا يلزم، لأن الدور الرئيسي الذي يقوم به وزراء الاعلام هو الكلام. والكلام غالبا ما يتبخّر في الهواء، الا اذا أدّى الى أزمة دبلوماسية كما هي الحال اليوم. وهنا يصبح من باب فائض الكلام مع كل المخاطر التي يحملها.

وزراء الاعلام هم غالباً في الواجهة. يتعرّف الجمهور إليهم فور تشكيل الحكومة، لأنّ وزير الاعلام يطلّ على الشاشات ليقرأ مقررات مجلس الوزراء على الهواء. وهنا أيضا دورهم هوائي بامتياز.

قد يتبادر الى الذهن أن من واجبات وزير الاعلام، على الاقل، أن يهتمّ بالاعلام التابع للدولة: تلفزيون لبنان، الاذاعة الرسمية، الوكالة الوطنية. لكن واقع المؤسسات الاعلامية الرسمية لا يدلّ أنها موضع اهتمام من جانب هؤلاء. فحالها مزرية والغبار على أرضها يتراكم منذ سنوات طويلة. فتلفزيون لبنان يعاني غياب مجلس ادارة يديره منذ سنوات طويلة. ولم ينجح الوزراء المتعاقبون في الوزارة في تعيين مدير له رغم سعيهم الى ذلك. فيما اذاعة بيروت تعاني هي أيضاً اهمالا وفقرا، رغم الطاقات الكبيرة التي يختزنها الاعلام العام. هاتان المؤسستان اللتان كانتا مصدر فخر للبنان فيما مضى، وكانتا منبرين للثقافة والفن والابداع في لبنان والعالم العربي، باتتا خارج اهتمام السلطة ووزارة الاعلام. والاسوأ من ذلك أن أرشيفهما الغني والنادر، وهو ثروة وطنية، يتضعضع هنا وهناك ولا من يهتمّ. فقط تتنافس السلطة السياسية على تعيين أزلامها على رأس مؤسسات اعلام الدولة من باب الامساك بهذه المؤسسات، كما حصل في الوكالة الوطنية مؤخراً، وليس من باب السعي لتطوير قطاع الاعلام العام الذي يمكنه أن يؤدي دورا اساسيا في بناء السلم الاهلي وفي التصدّي لبعض الاعلام الخاص المتفلّت من أي قيود أخلاقية ووطنية. وهناك أيضا المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع المنتهي الصلاحية منذ سنوات وسنوات، وهو أساساً لا صلاحيات له، ويستمر كأن لا بديل منه. ووصاية وزارة الاعلام عليه لم تنجح في تفعيل دوره

يتوالى وزراء الاعلام على هذا الكرسي الكلامي ويرحلون من دون أن يتركوا اثراً لهم. يملأون الوقت بأنشطة اعلامية من باب: نحن هنا. «أُصَرّح اذاً انا موجود». لا بصمة في الوزارة، لا انجازات ولا نتائج. مؤتمرات، خطابات، مشاريع، والنتيجة لا شيء. قطاع الاعلام بشقيه العام والخاص يتداعى ولا من يهتم. بعدما كانت بيروت عاصمة الاعلام العربي وعاصمة الثقافة باتت أنقاضا للإعلام والثقافة. هجرها الكتّاب والمفكرون، هجرتها شركات الإنتاج والمحطات العربية والعالمية. أرصفتها التي كانت ملأى بالكتب احتلتها النفايات.

وزارات الاعلام زالت كليا في الدول الديمقراطية لأنها ترمز الى سلطات رقابية على الاعلام الحر. وهي أصلاً من موروثات الحرب العالمية حين كان الاعلام احد أسلحة الحرب الرئيسية، كما كان الاداة الرئيسية لممارسة السلطة. وهو ما زال في الانظمة السلطوية أحد رموز السلطة ولسان حالها، وما زالت وزارات الاعلام تراقب الاعلام بأكمله لتضبط مساره. هذا التوازي بين السلطوية والاعلام دفع بالكثير من الدول الى إلغاء هذه الوزارة ومنها بعض الدول العربية التي حَذت حذو الغرب. في لبنان تستمر هذه الوزارة من دون رؤيا ولا أهداف وبمهام غامضة.

فالمهام التي حددها القانون لدور وزارة الاعلام، مثل «اقتراح وتطبيق السياسة الاعلامية التي من شأنها ترسيخ الشعور المشترك بوحدة الوطن وتقوية الروابط في شتى الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية»، أو التي حددتها وزيرة سابقة في الوزارة لعملها: «التَطلّع إلى إعطاء قطاع الإعلام جرعة تغيير عبر تطوير السياسة التشريعية التي تحكمه»، هذه المهام تبدو من باب الصيغ الانشائية او الفولكلورية، انما عملياً لا شيء يتغيّر.

فقوانين الاعلام اللبناني ما زال جزء منها من المرحلة العثمانية، ومشاريع القوانين التطويرية تعاني في جوارير اللجان النيابية بعدما عانت من مَقصّها. أمّا واقع الاعلام اللبناني بمجمله، الذي يعاني أزمات قاتلة تدفعه الى الاقفال أو الى مدّ اليد الى متموّلين مع خطر فقدان استقلاليته وخطر ارتهانه، فهو خارج اهتمامات الوزارة والسلطة عموماً.

بعض وزراء الاعلام في لبنان اقترحوا الغاء هذه الوزارة، آخرون اقترحوا تطويرها، ما يؤكد وجود مأزق معها. «الورقة الاصلاحية» التي تقدّمت بها حكومة سعد الحريري تضمنت «المُوافقة على إِلغاء وزارة الإِعلام، وتكليف الجهات المعنيَّة إعداد النّصوص اللاّزمة لذلك، في مهلةٍ أقصاها 30/11/2019 (...)». وكأنّ الجميع على قناعة بأنها وزارة لا دور لها.

لكن فائض الكلام لا يقتصر على وزراء الاعلام. فها نحن نراه في وزارات أخرى، وغالبا ما يحمل الفائض، خصوصا في الكلام، مخاطر كثيرة. يبدو أن البعض يستسهِل الكلام من دون حساب، ناسين المقولة العربية الشهيرة التي طالما شكّلت محور سؤال في الانشاء المدرسية: «لسانك حصانك ان صنته صانك».