رجاءً : لا تُطلقوا نيرانكم على هذا النص قبل قراءته حتّى نهايته.

1- كلّفت حكومة الرئيس فؤآد السنيورة الوزير فوآد بطرس رحمه الله، برئاسة "اللجنة الوطنية" لوضع مشروع قانون لإنتخابات النيابية. تمّ انجازه في حزيران ال2006. كان من المفترض أن تجري على أساسه انتخابات 2009 البرلمانية، لكنّ بسبب جلسات الحوار وعدوان تمّوز الإسرائيلي على لبنان، تمّ إرجاء البحث بمشروع هذا القانون. حالت الظروف السياسية التي عصفت بالبلاد لاحقا من إستقالة بعض الوزراء ونشوب أحداث أيار 2008 التي أنتجت إتفاق الدوحة وعدنا إلى قانون الستين (26 نيسان 1960)الذي تمّ إقراره بجروح اللبنانيين الطائفية التي أورثتها ثورة عام 1958. جرى تعديلقانون الستين تسع مرّات متتالية بموجب قوانين،وبقيت القاعدة في توزيع المقاعد النيابية تقديس الطائفية التي أرستها أحكام المتصرفية منذالعام 1860 وأصر عليها الانتداب الفرنسي.

بعيداً عمّا ورد في دستور الطائف من "قانون انتخاب جديد على أساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك وتؤمن صحة التمثيل السياسي"، وصلنا إلى قانون الصوت التفضيلي الأخير( 14/7/2017) الذي قسّم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية معتمداً النسبية.

2- لماذا أريد تذكير الجميع بمشروع الوزير فؤآد بطرس؟

أ-لأنه صيغ يومها عبر مجموعة من المشاريع الإنتخابية التي قُدّمتها الأحزاب وهيئات المجتمع المدني، والذي جمع في خلاصته كمقدمة انتخاب 77 نائباً على أساس النظام الأكثري و51 نائباً بموجب النسبية.

ب- لأنني أودّ تذكير الرئيس نجيب ميقاتي تحديداً ومجدّداً بإشادتهالعلنيةفي ال2008 بمشروعٍ القانونٍ الذيقدّمناه باسم "التكتّل الوطني الديمقراطي"،وتمّت مناقشته في ال2006 مع الوزير فؤآد بطرس الذي راقته"الفكرة الشجاعة التي تجتثّ الجذور الطائفية"عبرالزمن كما قال.

ج- أعترف بأنّ مشروعنا الإنتخابي جاء نتيجة خوضنا إنتخابات 1992 تحديداً ومقاطعة المسيحيين الغريبة العجيبة لها.كانت المقاطعة من الأخطاء المسيحية. ترشّحت يومها شخصياً عن منطقة مرجعيون حاصبيا ليحاصرني آنذاك اللواء غازي كنعان في بدايات حملاتي الإنتخابية، الأمر الذي دفعني إلى نقل ترشيحي نحو العاصمة بيروت. لم يحالفني الحظ لأسبابٍ أهمّها الطائفية المتجّذرة في أنفاس معظم الناخبين. فاز في تلك الإنتخاباتنواب مسيحيونب 42 صوتاً أو أكثر، ويتقاضى ربّمابعضهم رواتب تقاعدية.

3- ما هيخلاصةالمشروع الذي يخلّص اللبنانيين نهائيّاً من الطائفية؟

أ- يتمّ الترشّح عن لبنانكلّه دائرة واحدة لانتخاب 128 نائب مناصفة بين 64 للمسلمين و64 للمسيحيين. وكل نائب فائز هو ممثّل للأمة اللبنانية لا لطائفته ولا لمذهبه ولا لمنطفته.

ب- تُؤلّف اللوائح طائفياً بحيث تضم مرشحين مسيحيين فقط ومرشحين مسلمين فقط. وتكون اللوائح من 8 إلى 16 وأكثر حتى 64.

ج- ينتخب اللبنانيون من كافة المذاهب الإسلامية نواب الأمة المسيحيين حصراً،وينتخب اللبنانيون المسيحيون نواب الأمة المسلمين حصراً.

د- تجري الإنتخاباتالتقليدية والإلكترونية في يوم واحد في لبنان كما في بلدان الإغتراب عبر السفارات وإلكترونيا.

ه-تؤخذ في الإعتبار الوطني ضرورة اقرار الكوتا النسائية الواسعة وضرورة إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات.

يتمّ تعميم هذا المشروع مع كلّ انتخابات برلمانية منذ ال2006 ، ولا أبالغ القول أنّ قرّاءً وسياسيين كانوا وهم ما زالوا يقطّبون الجباه والشفاه هازئين أو غاضبينوإلى حدود التهديد بإطلاق النار على هذا المشروع في لبنان الذيدفنته الطائفية،وها هو اليوم قد تراجع وتحلّل وصار في أدنى درجات السلم الدولي في الأرض.

و- أسأل اليوم مجددا :

ما الكارثة إن فاز المرشح عن لبنان المسيحي بأصوات ناخبيه المسلمين والعكس بالعكس؟

ألا يضمن المشروع قلب المعادلات الطائفية بفوز المرشّح للبرلمان بأصوات المنتمين إلى طوائف غير تلك التي ينتمي إليها المرشح؟.

ألا تتعزز المناطقية والمناقبية والسير الذاتية الوطنية العابرةللطوائف والمذاهب والأحزاب؟

ألا تتعدّل وتقوى لتترسّخ مظاهر تنظيف الألسن والأذان والعقول والنفوس بالخطب والتصريحات والمواقف والبرامج لدى المرشحين راسبين أو فائزين وزراء أو سياسيين بما يشكّل جسوراً تواصل سياسي حقيقي بين المسلمين والمسحيين؟

لقد علّق فؤآد بطرس على المشروع قائلاً:"فعلاً، لو تحقّق، يُخرج مشروعكم لبنان من مستنقعاتنا الطائفية المزمنة إلى لبنان".

4- إنّ الإنتخابات البرلمانية التي تطفو على سطوح ال2022 لن تبدّل شيئاً في الجوهر، بل تبدو موشّحة بالتأجيل والدماء والأسئلة الصعبة التحقيق في الفدرالية والتقسيم وعزل العقول في دوائر ضيّقة يتمكّن فيها المسيحيون إنتخاب نوّابهم المسيحيين حصراً ويتمكن المسلمون بانتخاب نوابهم المسلمين. وقد تسمع من يقول: لماذا لا يختار الشيعة وحدهم رئيس مجلس النواب، أو يختار المسيحيون رئيس الجمهورية ويختار أهل السنة رئيس مجلس الوزراء؟

5- يعلق الشوك بحناجر لبنان الرسمي واللبنانيين كلّهبعد جمود الخطوات الأولى لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل فضّ الإنشداد والتجاذبات المستحكمة بالبلد عربياً وإقليميا اقليمياً ودولياً. ويترك استمرار هذا التجاذب تعفّناً قد يصل الى مفرقين: إمّا حتمية الانتخابات البرلمانية تذكّيراً بالتي جرت على إيقاعات الاغتيالات أو انهيار الوضع الأمني وحلول الفراغ برلمانياً ورئاسيّاً فتنزلق المخاطر الكبرى بانتظارالتدخّلات الدولية والإقليمية والطاولاتلتُعيد فصول فرض الأوضاع وفقاً للأنساق التي لطالما أنهكت الجميع في بلد آن له الحلم بالاستقرار والعيش المشترك الفعلي لا بالشعارات الموسمية الفارغة.