يُعوّل الكثير من اللبنانيّين على الإستحقاق الإنتخابي النيابي بهدف تغيير الطبقة السياسيّة برمّتها، إن تلك التي لا تزال في السُلطة حاليًا، أو تلك التي إنسحبت منها في الماضي إن القريب أوالمتوسّط. لكنّ الأحزاب والتيّارات السياسيّة المُختلفة تضحك في سرّها، لأنّ هيئات وجمعيّات وشخصيّات "المُجتمع المدني" غارقة في خلافاتها وتبايناتها، وهي قد لا تنجح في المُشاركة في الإنتخابات بلوائح مُوحّدة، قادرة على قلب الطاولة على الكثيرين، الأمر الذي يُضعف حُظوظها كثيرًا، بإعتبار أنّ المُعادلة بسيطة: ترشيحات مُتعدّدة ومتنافسة ضُمن لوائح مُشتّتة، تعني على الأرجح خسارة، وربما خسارة مُدويّة!.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ جُهودًا كثيرة بُذلت وتُبذل حاليًا، لتوحيد لوائح من يُطلقون على أنفسهم ألقاب رنّانة مثل "الثُوّار" و"قوى التغيير" و"المُعارضة الحقيقية"، إلخ. لكنّ هذه الجُهود ما زالت تصطدم بعقبات كبيرة، تتداخل فيها العوامل السياسيّة والتدخلات الداخليّة والخارجيّة، وكذلك الطُموحات الشخصيّة. والإنقسام الأبرز الذي يُهدّد هذه القوى "الثوريّة"، يتمثّل في إمكان التحالف مع جهات كانت مُشاركة في السُلطة، من عدمه. وهذا الأمر بالتحديد أسفر عن إرباك في صُفوف قوى "التغيير"، مع الإشارة إلى أنّ أحزابًا عدّة تُحاول ركوب موجة "الثورة"، وتُحاول ضمّ شخصيّات "ثوريّة" إلى لوائحها. و"سيناريو" الإنقسام الذي حصل خلال إنتخابات المحامين أمس، سيتكرّر على الأرجح في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، خاصة وأنّ لقب صاحب السَعادة، يُغري الكثيرين، وهو بطبيعة الحال أهمّ من لقب عُضو نقابة المُحامين!.

حزب "الكتائب اللبنانيّة" برئاسة سامي الجميّل و"حركة الإستقلال" برئاسة ميشال معوّض يسعيان لإستمالة جماعات "ثوريّة" عدّة(1) لتعزيز قُدرات لوائحهما، ولمُحاولة إستمالة الناخبين الناقمين على السُلطة. من جهة أخرى، حزب "الكتلة الوطنيّة" بنسخته الجديدة–إذا جاز التعبير، توحّد ضُمن جبهة تضم العديد من الجماعات "الثوريّة"(2). كما أنّ"الحزب الشيوعي" الذي كان لعب دورًا مركزيًّا في الحرب اللبنانيّة، يُحاول بدوره، ومعه قوى يسارية مُختلفة،حجز موقع مُتقدّم له على لوائح المُعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى "حزب سبعة" الناشئ والذي يرفض الكثير من "الثوار" ضمّه إلى صُفوفهم. ومن ضُمن الجبهات "الثوريّة" الناشئة، ما أطلق عليه إسم "الإئتلاف المدني اللبناني"(3). وتُحاول جماعات وهيئات "ثوريّة" أخرى التكتّل ضمن لوائح قويّة، منها على سبيل المثال "مُواطنو ومواطنات" و"كلنا وطني" و"خط أحمر" و"منتشرين" و"لحقي" و"حزب لنا" وغيرها(4). ولا ننسى حراك "العسكريّين المُتقاعدين" وتعدّد القيادات العسكريّة المُتقاعدة التي تنشط على الأرض، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أيضًا العميد جورج نادر.

وكل ما سبق يؤكّد مدى تنوّع "قوى التغيير"، ناهيك عن تضارب نظرتها السياسيّة، وخلفيّاتها. وليس بسرّ أنّ الخلافات تتمحور حول سُبل توحّد كل الراغبين بالترشّح ضُمن لوائح واحدة ومُقتدرة، في ظل وُجود مئات الشخصيّات الطامحة لدخول الندوة البرلمانيّة، وفي ظلّ عدم وُجود مرجعيّة حزبيّة قادرة على حسم الخيارات من دون أيّ نقاش!.

والمُفارقة أنّ الجماعات "الثوريّة" والتي تريد الإنتفاض على السُلطة، تضمّ إضافة إلى أحزاب كانت في أساس السُلطة، شخصيّات كانت تلعب أدوارًا مهمّة في أحزاب معروفة، مثل الأمينة العامة السابقة في حزب "القوات اللبنانيّة" شانتال سركيس، والقيادي السابق في حزب "الكتائب اللبنانيّة" الإعلامي ألبير قسطنطين، وغيرهما الكثير، مع التذكير أنّ إنتخابات العام 2018 كانت شهدت تجارب مُماثلة خاضها مُؤيّدون لأحزاب أخرى، منهم مثلاً زياد عبس ولوسيان بو رجيلي، إلخ...

ومن ضمن الشخصيّات الطامحة لقلب الطاولة على "أحزاب السُلطة، عدد كبير من النوّاب الذين إستقالوا في الماضي غير البعيد من مجلس النوّاب، مثل بولا يعقوبيان ونعمة إفرام. وهذه الفئة تتطلّع من جهتها إمّا لتركيب لوائح مع "قوى التغيير"، وإما لنيل أصوات "الثوّار"، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نوّاب آخرين خرجوا من كتلهم من دون أن يستقيلوا من المجلس، مثل العميد شامل روكز، وكذلك وزراء سابقين مثل الوزير شربل نحّاس.

في الختام، الإنتخابات تحتاج لتمويل كبير، وبعض جمعيات وهيئات "الثورة" نالت التمويل المطلوب، لكن أخرى فشلت في تأمين الدعم المالي لها حتى الساعة. والإنتخابات تحتاج لكوادر لوجستية شديدة التنظيم، وبعض جمعيات وهيئات "الثورة" تعمل على تأمين هذا الشرط، في حين أنّ أخرى لا تزال غير قادرة على ذلك بعد. والإنتخابات تحتاج خُصوصًا إلى توحيد الصفوف، لرفع فرص الفوز، وبعض جمعيات وهيئات "الثورة" إقتربت من تحقيق هذا الهدف، لكنّ أعدادًا كبيرة منها ما زالت غارقة في خلافاتها وتبايناتها، ما يُنذر بأن تتمكّن الأحزاب اللبنانيّة التقليديّة من تشتيت صفوفها، تمهيدًا لتوجيه خسارة موجعة لها. والكلمة الفصل تبقى في النهاية للناخبين، هذا إذا حصلت الإنتخابات أصلاً!.

(1) لقاء تشرين، وخط أحمر، ونبض الجنوب، وعامية 17 تشرين، إلخ.

(2) تحالف وطني، بيروت مدينتي، شباب 17 تشرين، ثوار بيروت، المرصد الشعبي لمُحاربة الفساد، وطني هويّتي، إلخ.

(3) الجبهة المدنيّة، ملتقى التأثير المدني، إلخ.

(4) يقدّر عدد المجموعات المُنبثقة من "الحراك الشعبي" في 17 تشرين الأوّل 2019، بنحو 500 مجموعة!