كان لافتاً الكلام الصادر عن رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، والذي حذّر فيه من الذهاب الى الاسوأ اذا لم يتم العمل على حلّ الازمات. صحيح ان بري اشرك نفسه في اطار العمل على حل الازمات، بمعنى انه لم يطلب من الآخرين فعل ذلك، بل من الجميع، ولكن الم تبطل موضة هذه الاسطوانة؟.

لقد مللنا بالفعل من دق ناقوس الخطر، واطلاق التحذيرات، وتوصيف المشاكل، واثارة الرعب ونفوس، وكأن المسؤولين في ​لبنان​ باتوا ينافسون "الفرد هيتشكوك" و"ستيفان كينغ" في تقديم "راوئعهم" المثيرة للذعر.

من الغريب فعلاً ان يستمر المسؤولون ومنهم رئيس مجلس النواب، في إخافة اللبنانيين يوماً بعد آخر، من عواقب ما اقترفت ايديهم جميعاً (اي المسؤولين)، ولا يحسنون التحذير والتهويل الا عندما تسير الامور عكس ما يرغبون به، فعندها فقط تصبح الاوضاع سيئة وكارثية ونكون قد وجهنا مسيرة السفينة اللبنانية الى طريق الهلاك و"جهنم".

من قصد بري في كلامه، ومن الذي يدعوه الى التحرك السريع كي لا نصل الى الاسوأ؟ هل يمكن اعتبار هذه الدعوة الى مناصريه ومؤيديه ومحازبي حركة "امل"، ام الى الحلفاء في "​حزب الله​"، ام الى الاخصام السياسيين في "​التيار الوطني الحر​"، ام الى الاصدقاء في "المستقبل" و"التقدمي الاشتراكي"؟... ام هي دعوة صادقة الى نفسه والى السياسيين والمسؤولين وقادة الاحزاب كي يتّفقوا على رأي واحد ووضع مصلحة الوطن والشعب قبل المصلحة الاخرى؟ هل فعلاً يدعونا بري، نحن اللبنانيين الى التحرك، وهو العالم اكثر من سواه بأن الغالبية الساحقة من اللنبانيين على الارض اللبنانية لا يخطون خطوة واحدة من دون موافقة الزعماء والمسؤولين؟ من ذا الذي يحصل على صك براءة من عدم التحرك السريع كي لا نصل الى الاسوأ؟ ومن في المقابل يوزع هذه الصكوك "غب الطلب"؟.

ويا ليت حدّد بري مسار التحرك السريع، هل هو على خطّ الحكومة التي لا تزال تنتظر "الفرج القضائي" كي تعود الى لمّ الشمل، بل تطبيق التباعد السياسي القسري الذي فُرض عليها بالقوة؟ ام هو على خط تحديد موعد واضح لاجراء ​الانتخابات النيابية​ التي لا تزال فاقدة لبوصلة موعدها النهائي بسبب الخلاف بينه من جهة و"التيار الوطني الحر" ورئيس الجمورية من جهة ثانية، أكان في آذار أم ايار من العام المقبل؟ ام هو على خط تحديد المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​ الذي صُعق وذهل لرؤية مدى التشرذم اللبناني في تحديد ابسط الامور، وهو ارقام الخسائر التي يعاني منها البلد؟ ام هو على خط الصراع على مصير حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ المعلّق بحبال الاتّهامات في الداخل والخارج؟ أم هو على خط ترسيم الحدود البحريّة العالقة في حبال الراعي الاميركي الذي يعزف موسيقاه للراقصين اللبنانيين والاسرائيليين ومعرفة من صاحب الفضل في الوصول الى النهايات السعيدة بين بري والرئيس العماد ​ميشال عون​؟ ام هو على خط ازمة النازحين السوريين ومساعي اعادتهم الى بلدهم بأمان؟!.

مسارات كثيرة لا يتحكم فيها الشعب، بل المسؤولون وقادة الاحزاب والتيارات السياسية، فلماذا يصرّ بري وغيره على تهميش الموضوع واضافة المزيد من الضبابية الى المشهد اللبناني الغامض، بدل العمل بشكل وثيق ومتواصل مع كل الافرقاء الآخرين للخروج من هذه المصيبة التي يعيشها لبنان، فلا يضطر عندها بري الى الصعود الى قصر بعبدا مشياً على قدميه، ويرضى الجميع بوصول الامور الى خواتيمها عبر تسوية ترضيهم على قاعدة "عفا الله عما مضى" والتخطيط لسرقة ونهب وهدر المزيد من الاموال من خلال برامج ومشاريع تدرّ الارباح الكبيرة، تحت انظار وموافقة ودعم الخارج.