يأبى السياسيّون أن يمرّروا حتّى "عطلة الأعياد"، التي أخذوها "عنوةً" وسافر معظمهم للسياحة والاستجمام، من دون "أزمات" جديدة، يضيفونها إلى سلسلة "الأزمات" التي راكموها على امتداد عام كامل، لا يبدو مُبالَغًا به وصفه بـ"عام الانهيارات" بامتياز، انهيارات لم توفّر قطاعًا دون أن تهزّه، في السياسة والاقتصاد والأمن إلى آخره.

هكذا، لم يشذّ الأسبوع الأخير من العام عن "القاعدة"، فبدا حافلاً بالسجالات والخلافات، بدءًا من "رسالة" رئيس الجمهورية ميشال عون، التي أرادها بمثابة "مراجعة" يختم فيها العام، مرورًا بـ"ردّ" رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أوحى بخلاف "عميق" بين الرجلين، رغم كلّ ما يقال بعكس ذلك، وصولاً إلى "صمت" الثنائيّ الشيعيّ، المعنيّ الأول بالأزمة.

وإذا كانت أجواء نهاية العام "غير الودية" تأتي لتتويج مسار متكامل من الفراغ والشلل والفوضى، كانت 2021 شاهدة عليه، فإنّ الخوف أنّه يمهّد في الوقت نفسه لعامٍ جديد قد لا يكون أفضل حالاً، ينطلق الأحد المقبل بكلمة وُصِفت بـ"النارية" لرئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، وقيل إنّها قد "تقلب" بعض المعادلات السياسية.

وإذا كان "المكتوب يُقرَأ من عنوانه"، فإنّ "مراجعة نقدية" لمسار أحداث العام قد تكون أكثر من مفيدة، قبل الولوج في العام الجديد، الذي يحمل بين طيّاته الكثير من التحديات والاستحقاقات "المصيرية"، وعلى رأسها الانتخابات النيابية الأولى بعد سلسلة "تحولات جذرية"، هذا إن بقيت في موعدها، ولم ينجح المعنيّون في "تعطيلها" كما كلّ شيء في هذا البلد.

في هذا السياق، لا شكّ أنّ الهمّ الاقتصادي كان "الشغل الشاغل" طيلة العام المنصرم للبنانيين، الذين ودّعوا 2020 وهم "يتوهّمون" أنّهم في قلب "الانهيار"، فإذا بالعام الجديد "يصدمهم" بكمّ "الانهيارات"، مع تسجيل سعر صرف العملة مستويات "قياسية"، وصلت إلى حدود 30 ألف ليرة للمرة الأولى في تاريخ لبنان، وتوحي الأوضاع السياسية أنها قابلة لـ"الكسر" أكثر في الأسابيع المقبلة، إن استمرّت الأوضاع على حالها، والمعالجات على "عقمها".

خلال العام 2021، أدرك اللبنانيون معنى "الانهيار" بكلّ ما للكلمة من معنى، باعتراف دولي وأممي، بعدما صُنّفت الأزمة الاقتصادية التي عايشوها بين "الأسوأ" في العالم، والتي لا تحدث إلا "مرّة في القرن"، وفق توصيف كبريات الصحف الأجنبية، كيف لا وقد أصبحت الغالبية العظمى من السكّان تحت خط الفقر، واختفت الطبقة المتوسطة، ليتحوّل من كانوا ينتمون إليها إلى "فقراء جُدُد"، بعدما وجد معظمهم أنفسهم عاجزين عن "مواكبة" الغلاء الفاحش.

في هذا العام، ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكيّة الأساسيّة، والتي يحتاج إليها أيّ مواطن يريد العيش بكرامة، عشرات الأضعاف، بصورة تدريجيّة، فيما تدنّت قيمة الرواتب التي يقبضها معظم الموظفين بالعملة الوطنيّة، وبقيت محاولات "الإنقاذ" من جانب الدولة والمصرف المركزي "قاصرة"، لم تخرقها سوى "تعاميم" دوريّة عن حاكم مصرف لبنان، بدت أقرب إلى "مسكّنات" يخشى كثيرون أن تكون أضرارها طويلة الأمد أكثر من فوائدها الآنية، إن وُجِدت.

أما الوضع السياسي، فلم يكن أفضل حالاً، وهو الذي أسهم أساسًا في تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية، بعدما بات الأمران مرتبطَين ارتباطًا مباشرًا، حيث تترافق كلّ أزمة مع ارتفاع في سعر الدولار، مقابل استقرار أو انخفاض نسبيّ في مراحل "الاستقرار" على قلّتها، ولو أنّ الخبراء الاقتصاديين لا يجدون في معظمهم، "مبرّرًا" لهذا الترابط المُبالَغ به، بعيدًا عن "المافيات والعصابات" التي استغلّت الأزمة لزيادة الطين بلّة على اللبنانيين.

ويكاد "إحصاء" عدم أيام "الفراغ" الذي شهده لبنان هذا العام كافيًا للدلالة على "عقم" الوضع السياسي، فالبلاد أمضت أشهرًا طويلة ومضنية في محاولة "استيلاد" حكومةٍ، كُلِّف لتشكيلها ثلاثة أشخاص، هم مصطفى أديب وسعد الحريري ونجيب ميقاتي، الذي نجح في تكريس مبدأ "الثالثة ثابتة"، فكانت حكومته التي بالغت في الوعود بـ"الإنقاذ"، قبل أن تسقط بالفخّ، عند أول "امتحان"، فعُطّلت وشُلّت، من داخلها قبل خارجها.

هكذا، لم تعقد الحكومة "الواعدة" أكثر من ثلاثة اجتماعات، لتتعطّل بالمُطلَق بعدها، بعدما قرّر "الثنائيّ الشيعيّ" مقاطعة اجتماعاتها، مشترطًا للعودة إليها "قبع" المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وهو قرارٌ يرى فريق حكوميّ واسع، وإلى جانبه معظم الخبراء القانونيين والدستوريين، أنّه ليس من "صلاحية" الحكومة أصلاً، ولا شأن لها به، عملاً بمبدأ "فصل السلطات"، الذي يدركه القاصي والداني.

وربطًا بهذه الأزمة، كان الوضع الأمني والقضائي على "المحكّ"، فتحقيقات انفجار المرفأ لم تصل إلى أيّ نتيجة بعد، على وقع "الضغوط" على المحقّق العدلي، الذي اتُهِم بـ"التسييس"، وقرّر المعترضون على أدائه "محاصرته" بكلّ السبُل الممكنة، من الوسائل القانونية حيث لم تُجدِ كلّ دعاوى "كفّ اليد" في عزله، وصولاً إلى الشارع، حيث لا تزال مواجهات الطيونة، التي بدت أشبه بـ"ميني حرب أهلية"، ماثلة في الأذهان.

هكذا، ينتهي العام كما بدأ على وقع "تشنّج" سياسي واسع، ينبئ بالأسوأ القادم، إن بقيت العقليّات والمقاربات على حالها، ولعلّه من الأعوام القليلة التي يعجز فيها اللبناني عن إيجاد "حدث سعيد"، ولو واحد فيه، يدفع إلى التفاؤل بغدٍ مشرق، في مفارقة قد تكون مثيرة للاهتمام، خصوصًا أنّ التحديات التي تنتظر اللبنانيين في العام الجديد أكثر من أن تُعَدّ وتُحصى، وسط مخاوف من أن تصل الأزمات إلى مستويات غير متوقعة.

من هنا، فإنّ الأنظار كلّها تبقى متّجهة للانتخابات المقبلة، انتخابات يعتبرها البعض مفصلية ومصيرية، ويراهن عليها آخرون لقلب الصفحة وتحقيق التغيير الجذري. صحيح أنّ كلّ هذه الرهانات قد لا تكون أكثر من "أوهام"، بالنظر إلى "التعقيدات" التي لا تتيح مثل هذا "الانقلاب" عبر صناديق الاقتراع، لكنّ الخشية، كلّ الخشية، أن تطيح "العواصف" الآتية بالانتخابات عن بكرة أبيها، وهو ربما "الرهان الحقيقي" الذي يخفيه معظم أركان الطبقة السياسية!.