منذ العام 2017، تُطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العلاقة بين رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ و​السعودية​، نظراً إلى أن الرياض منذ ذلك الوقت أظهرت مؤشرات على أنها لم تعد تفضل أن يكون "بيت الوسط" بوابتها نحو الساحة اللبنانية، الأمر الذي تمظهر أكثر من خلال ذهابها إلى الرهان على خيارات أخرى، منها رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​.

خلال مرحلة تكليفه لرئاسة الحكومة، قبل أن تنتقل المهمة إلى رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​، كان الجميع يدرك أن السبب الأساسي وراء عجز الحريري على التشكيل يكمن بـ"الفيتو" السعودي، الأمر الذي حال دون نجاحه في المهمة، وصولاً إلى تقديمه اعتذاره، لكن ذلك لم يقد إلى توقف الأسئلة الجدية حول مستقبل علاقته مع الرياض، خصوصاً مع غموض موقفه من المشاركة في ​الانتخابات النيابية​ المقبلة.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنه على الرغم من التراجع الكبير في شعبية تيار "المستقبل"، في السنوات الماضية، إلا أنه يبقى الرقم الصعب على الساحة السنية، بسبب عدم بروز البديل القادر على قلب الطاولة، الأمر الذي يدفع كافة الشخصيات الفاعلة في هذه الساحة، لا سيما نادي رؤساء الحكومات السابقين، إلى التأكيد المستمر بأنها تنتظر قرار الحريري للبناء عليه.

من وجهة نظر المصادر نفسها، غالبية القوى والشخصيات، التي تراهن على "وراثة" رئيس الحكومة السابق، تدرك جيداً أن أقصى ما يمكن أن تطمح إليه هو أن تدخل إلى الندوة البرلمانية من ضمن كتلة تضم نائبين أو 3 بالحد الأقصى، حيث لا يمكن لأي منها أن يؤمن فوزه بكتلة وازنة، أو على الأقل تضم نصف عدد أعضاء كتلة "المستقبل" بالحد الأدنى، وبالتالي "التركة" ستتوزع على العديد من الجهات، ما يعني اضعاف القوة التي تمثلها على المستوى السياسي.

في الفترة الفاصلة عن عودة الحريري إلى لبنان، التي بات من المتوقع أن تكون خلال أيام قليلة، طرحت سيناريوهات حول القرار الذي يمكن أن يذهب إليه الرجل، لناحية تأمين مشاركته في الاستحقاق الانتخابي بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا أن المعادلة الوحيدة التي يمكن الحديث عنها هو أنه أثبت الحاجة له، سواء كان هذا الأمر بالنسبة إلى الحلفاء أو الخصوم.

في هذا الاطار، تلفت المصادر السياسية المطلعة إلى أن غالبية الأفرقاء السياسيين في البلاد باتوا لا يترددون في الاعلان عن حاجتهم إلى وجود رئيس الحكومة السابق في المعادلة، من حلفائه السابقين، أي رئيسي حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع و"الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، نظراً إلى أن فوزهما في العديد من الدوائر لا يمكن أن يتأمن من دون أصوات "المستقبل"، إلى خصومه في قوى الثامن من آذار، لا سيما ​الثنائي الشيعي​، الذين يخشون من حالة الفوضى في الساحة السنية التي يخلفها غيابه عنها.

أبعد من ذلك، توضح المصادر نفسها أن العديد من الجهات الغربية لم تتردد، في الفترة الماضية، من التعبير عن قلقها ازاء الواقع الخطر الذي يتهدد الساحة السنية، الأمر الذي دفعها للتشديد على ضرورة التنبه لهذا الأمر، لكن ما يمكن أن يراهن عليه الحريري هو أنه يمثل حاجة سعودية أيضاً، نظرا إلى أن أي مشروع انتخابي لها لا يمكن أن ينجح من دونه، لا سيما أن الساحة لم تفرز أيّ بديل مقنع، بينما الفترة الفاصلة عن موعد الاستحقاق الانتخابي لا تسمح في ايجاده، وبالتالي العودة إليه قد تكون الخيار الأسلم.

في المحصلة، تجزم هذه المصادر بأن الحريري يستطيع أن يبقى اليوم على موقفه المتفرج، من دون أن يصدر أي موقف حاسم عنه، تاركاً جميع يفكر في الخيار الذي من الممكن أن يذهب إليه، خصوصاً أن الكثير من علامات الاستفهام لا تزال تطرح حول امكانية تأجيل الاستحقاق الانتخابي، لكن في نهاية المطاف يمكنه الاطمئنان بأن الجميع سيعود إليه، طالما أن الساحة السنية لم تنضج البديل الوازن القادر على وراثته.