رغم انشغال روسيا بما يحدث في أوكرانيا وكازاخستان، فإنها ما تزال قلقة مما يحدث في منطقة هامة جدا لها وهي "القوقاز" خاصة في ظل ما تشهده من تطورات سياسية وأمنية، وفق تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي".

ويؤكد التحليل أن "هناك علاقة أوسع بين ما يحدث في القوقاز والأحداث التي تتكشف في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، إذ تجد موسكو مركزها المهيمن في محيط الاتحاد السوفيتي السابق يتعرض لتحديات من عدة اتجاهات".

ومع استمرار أرمينيا وأذربيجان في تحدي بعضهما البعض، والتطلعات التركية في المنطقة قد يثبت قريبا أن منطقة القوقاز ليست أقل ديناميكية، وتأثيرا من أوروبا الشرقية أو آسيا الوسطى، سواء بالنسبة لروسيا أو للقوى التي تتنازع معها.

وشهدت الفترة الماضية، تصعيدا في الأعمال العدائية العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان على طول حدودهما المشتركة خلال الأيام الماضية، بعد أكثر من عام على توقف القتال بين البلدين.

ويوضح التحليل أن "الانتشار العسكري الروسي في المناطق التي تجاورها" أسباب ودوافع مختلفة، ولكن لكل منها هناك هدف مباشر إلى حد ما بالنسبة لموسكو، والتي في مقدمتها "ترسيخ نفوذها كقوة خارجية مهيمنة في المنطقة ومنع أو الحد من تأثير الآخرين".

وعلى سبيل المثال، في حالة التدخل الروسي في أوكرانيا عام 2014، كان الهدف الحد من نفوذ الغرب خاصة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وهو الأمر نفسه بالنسبة لتدخل روسيا في جورجيا عام 2008.

وفي عام 2020 كان تدخل موسكو في نزاع ناغورنو كاراباخ يهدف إلى وقف موجة الخسائر الإقليمية التي تكبدها حليف روسيا وزميلتها أرمينيا العضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي على يد أذربيجان، التي كانت أكثر استقلالية وليست حليفا مؤسسيا، ناهيك عن الحد من النفوذ التركي الذي قدم دعما أمنيا لأذربيجان، وهو ما تسبب باختراق الدفاعات الأرمينية، وهكذا تدخلت روسيا كوسيط للإشراف على وقف إطلاق النار، حيث اتفقت كل من أرمينيا وأذربيجان على الهدنة التي توسطت فيها موسكو.

صراع "ناغورنو كاراباخ" سلط الضوء على مكانة روسيا كقوة إقليمية وقدرة موسكو المستمرة على تشكيل الأحداث، لكنه كشف أيضا أن نفوذ موسكو له حدود، حيث وافقت موسكو على مركز مراقبة روسي تركي مشترك للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار ولم يكن أمام روسيا خيار سوى الاعتراف بدور القوة الإقليمية المهم الذي تلعبه تركيا.

وتمكنت تركيا من تحقيق اختراق بنفوذها المتزايد في المنطقة لتحقيق مكاسبها السياسية والاقتصادية، خاصة بدعمها مبادرات النقل والبنية التحتية الإقليمية لأذربيجان، ناهيك عن تواصلها الدبلوماسي مع أرمينيا لاستئناف التجارة والرحلات الجوية.

ويؤكد التحليل "أن روسيا لعبت دورا مهما في مباحثات الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان، لكنها لم تعد الفاعل الرئيسي الوحيد في تشكيل الجغرافيا السياسية في القوقاز، حيث أثبتت تركيا استعدادها وقدرتها على تحدي روسيا بشكل مباشر في المنطقة.

وفي الحالة الأوكرانية لا تزال روسيا تحاول حماية نفوذها السياسي والاقتصادي والأمني، بينما تسعى للحصول على ضمانات ضد احتمالات توسع الناتو الذي كافحت من أجل تجنبه.

وفي كازاخستان ربما روسيا أقل قلقا بشأن الغرب، لكنها قد ترى أن وضعها كقوة خارجية مهيمنة يفسح المجال للآخرين، بما في ذلك الصين وربما حتى تركيا.

والجمعة، رحبت تركيا وأرمينيا بمحادثات "بناءة" بين مبعوثيهما الخاصين اللذين التقيا للمرة الأولى في موسكو، في إطار الجهود لإصلاح العلاقات المتوترة تاريخيا بين البلدين، وفق تقرير بثته وكالة فرانس برس.

ولا علاقات دبلوماسية بين أرمينيا وتركيا، كما أن حدودهما مغلقة وبينهما تاريخ طويل من العداء يعود الى عمليات القتل الجماعي للأرمن في ظل السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

وتدهورت العلاقات المتوترة تاريخيا بين البلدين عام 2020، عندما دعمت تركيا أذربيجان في حربها الأخيرة مع أرمينيا للسيطرة على منطقة ناغورني قرة باغ المتنازع عليها.

ووقعت تركيا وأرمينيا اتفاقية لتطبيع العلاقات بينهما عام 2009 كان من شأنها أن تؤدي الى فتح حدودهما المشتركة.

لكن يريفان لم تصادق على الاتفاقية وتخلت عن هذا الأجراء عام 2018.