ذكر مدير ​المعهد الفني​ الانطوني ​الدكوانة​ الأب شربل بوعبود، خلال تنظيم المعهد ندوة تحت عنوان حين يصبح الفن علاجًا، عن الفن العلاجي والصحة النفسية، أنه "لعلَّنا، وللوهلة الأولى، حين نقرأ عنوان هذه الندوة "حين يصبح الفنُّ علاجًا" تنتابنا تساؤولات عديدة، حولَ إذا ما كنَّا مرضى وبحاجة للعلاج، أو إذا ما كان الفنُّ يرتبطُ بطريقةٍ أو بأخرى بحياة الإنسان أو إذا ما كان حقًّا يعكسُ جزءًا من حياتِه؟".

ورأى أن "أسئلةٌ كثيرة قد يتساءلُ حولَها الإنسانُ، مثلًا كعلَّةِ وجودِه على هذه الأرض بالإضافة إلى أمورٍ عديدة قد تَتسبَّبَ بجراحات نفسية وقد تبقى مجهولةً وغيرَ واضحةٍ بالنسبة إليه، دفينةً في باطنه، مركز اللاوعي، حتى النَّفسِ الاخير، إنَّ القديسَ أغوسطينوس وهو معلمٌ في الكنيسة، يُخبرُنا بأنَّ هناك ما هو أسمى وأرقى، وبأنَّنا لن نكتشفَهُ في حياتنا الزمنيَّة هذه وهو ينقلُ لنا خبرتَهُ بقولِه: "لقد خلقتنا يا رب وقلبُنا لن يرتاحَ إلى أن يَستقرَّ فيكَ" إنطلاقًا من هذه المَقولة، نغوصُ بالعُمقِ أكثر، لنكتشفَ بأنَّنا مدعوون، كما نيقوديموس الذي أتى ليلًا إلى السيِّد المسيح، إلى ولادةٍ جديدةٍ بالروح نتجدَّدُ بها كلَّ يوم، ما دُمنا في هذه الحياة المُضنية والزَّائلة على السَّواء، لتسمحَ لنا بمُعاينةِ الملكوت في ما بعد".

ولفت بوعبود، إلى أنه "في مكنوناتِ إنسانِنا البشريّ، تَوقٌ إلى حياةٍ روحيَّةٍ سليمةٍ تجعلُنا نرتقي صوب الله لنلِجَ إلى عُمقِ السلامِ معه، إلى طمأنينةٍ دائمة... إلَّا أنَّ الإنسانَ يتأثَّرُ يمجتمعِه ومحيطِه، وسرعان ما ينسى هذه الأُسس، تحديدًا عندما يبدأُ يتَخبَّطُ بمشاكلَ وصعوباتِ الحياة فتَسودُ في داخله أفقٌ سوداء تحجبُ عنه ملامحَ الحياة والقُدرةَ على المثابرة والاستمرار في المكافحة وقد يَقعُ بعضُنا في بُؤَرِ اليأس والحزن والقنوط والأفكار المُقلقة فيَتعثَّرون ويُصبحُ النُّهوض صَعبًا ما لم يكُن مَجبولًا بالإيمان والرجاء والمحبة ليكونَ بالمقدرة الاستمرار بالحياة وتَخطِّي مصاعبها يوميًّا وتِباعًا".

وأشار إلى أنه "تأتي هذه الندوة اليوم، والتي نعتبرها تحدِّيًا شخصيًّا، كدعوةٍ لكلِّ واحدٍ منَّا كي يقومَ بمسيرتِه الخاصَّة ويسعى لتغيير أمورٍ قد يكون تعوَّد عليها وقد تكون غير سليمة له... وأمَّا الفنّ، فهو يُعبِّرُ عن عُمقِ الإنسان ويخلقُ مساحةً للتلاقي مع الذات، فمن خلالِ تجسيدِ لوحةً ما مثلًا، قد يعكسُ من خلالِ الألوان أو الأشكال خفايا في نفسِه قد لا يكونُ قادرًا على التَّعبيرِ عنها بالوعي، فيُجسِّدُها ويُترجِمُها بها".

وكشف بوعبود، "أننا نهدفُ من خلال هذه النَّدوة إلى تَوسيع بكار التوعية في مجتمعنا وبيئتنا من خلال تسليط الضوء على أهمية العلاج بالفن لأنَّه يساعد على تخفيف الضغوطات النفسية، كما ذكرنا آنفًا، والاضطرابات على أنواعها وحدَّة الصدمات والمشاكل التي قد تواجهُ الإنسان، ولا ننسى الظروف القاسية التي واجهها اللبنانيون وتحديدًا إنفجار ​مرفأ بيروت​ الذي لا نزالُ نُعاني من آثاره الجانبيَّة و​جائحة كورونا​ التي تَلتْهُ وشلَّتِ العالم ومن بعدِها الأزمة الاقتصادية والمعيشيَّة التي أنهَكَت كاهلَ الشعبَ اللبناني وحرمتْهُ أدنى حقوقِه في الحياة وحتَّى القدرةَ على الترويحِ عن النّفس من خلال الفنّ أو أي هوايةٍ أخرى".

واعتبر "نحن مدعوون إلى الاستفادة من شتَّى أنواع الفنون مهما كانت الغاية، وأمَّا نحن كمعهد يُعنى بفنون مختلفة من الفسيفساء إلى كتابة الأيقونات فالرسم التشكيلي وغيرها من الفنون، فإنَّنا نضعُها في صلبِ رسالة المعهد وبتصرُّف مَن هم بحاجةٍ قُسوى إليها ونعول على المدارس وأصحابِ الاختصاصات والجمعيات كي تقفَ معنا في هذه المهمة التي نطلقها اليوم من منبرِ معهدِنا الفني الانطوني الدكوانة علَّنا ننقذُ مجتمعنا من انفجار كبير على صعيد القيَم والأخلاق والثقافة المُهدَّدة بالاندثار في ظلِّ هذه الظروفِ الحالكة"، مصرّحًا أنه "فلنُبادر إلى نشرِ لغة المحبة والسلام من خلال الفن ولنقِف مع أهلِنا وكلّ اللبنانيين لنخففَّ من وطأةِ معاناتِهم والآمهِم اليوميَّة ومن الاحتقانِ المُتزايد الذي يؤثّر على صحتِهم النفسيَّة والجسديَّة".