كشف تحقيق ضخم لصحيفة "نيويورك تايمز" كيف أصبح برنامج "بيغاسوس" أداة بيد الدبلوماسية الإسرائيلية باعتباره أحد أقوى الأسلحة السيبرانية في العالم.

وذكرت الصحيفة الأميركية أن مبيعات برنامج "بيغاسوس"، الذي تطوره شركة "إن إس أو" الإسرائيلية، لعبت دورا خفيا في الحصول على موقف سياسية داعمة للبلاد، لا سيما في التصويتات الرئيسية بالأمم المتحدة.

كما كشفت الصحيفة أن البرنامج القوي كان له دور حاسم في تأمين دعم الدول العربية في الحملة الإسرائيلية ضد إيران، بالإضافة إلى التفاوض على معاهدة إبراهيم، وهي الاتفاقيات الدبلوماسية لعام 2020 التي أفضت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل و4 دول عربية.

وغيّرت دول عدة مثل المكسيك وبنما والمجر مواقفها السياسية تجاه إسرائيل في التصويتات الرئيسية بالأمم المتحدة بعد أن حصلت على موافقة لشراء برنامج "بيغاسوس".

والعام الماضي، كشف تحقيق مشترك لمجموعة من الصحف العالمية الكبرى عن استخدام برنامج "بيغاسوس" للتجسس على وسائل إعلام وصحافيين وسياسين ومعارضين في جميع أنحاء العالم.

وبمجرد تنزيله على الهاتف الجوال، يتيح "بيغاسوس" التجسس على مستخدم الهاتف من خلال الاطلاع على الرسائل والبيانات والصور على الهاتف وجهات الاتصال، كما يتيح تفعيل الميكروفون والكاميرا عن بعد دون علم المستخدم.

وأدى الجمع بين بحث إسرائيل عن النفوذ وسعى شركة "إن إس أو" لتحقيق الأرباح أيضا إلى أن ينتهي المطاف بأداة التجسس القوية في أيدي جيل جديد من الزعماء في جميع أنحاء العالم.

كان "بيغاسوس الذي طرح لأول مرة في السوق العالمية العام 2011، مخصصا لتعقب المجرمين والإرهابيين، فقد ساعد البرنامج السلطات المكسيكية على القبض على أباطرة المخدرات بمن فيهم خواكين غوزمان لويرا المعروف باسم "إل تشابو".

كما استخدم المحققون الأوروبيون نظام "بيغاسوس" لإحباط المؤامرات الإرهابية، ومحاربة الجريمة المنظمة، وفي إحدى الحالات، للقضاء على شبكة عالمية لإساءة معاملة الأطفال، وتحديد عشرات المشتبه بهم في أكثر من 40 دولة.

على الرغم من أن إشراف الحكومة الإسرائيلية كان يهدف بالدرجة الأولى إلى منع استخدام برامج التجسس بطرق قمعية، إلان أن السلطات وافقت على بيع "بيغاسوس" إلى دول عدة تملك سجلات مشكوك فيها بشأن مسائل حقوق الإنسان.

تشير "نيويورك تايمز" إلى أن الأسلحة الإلكترونية صارت تنافس في أهميتها الصناعات العسكرية التقليدية، مما أسهم في ظهر نوع مختلف من صناعة الأسلحة في إسرائيل: صناعة الأمن الإلكتروني.

وكما هو الحال مع موردي الأسلحة التقليدية، يُطلب من صانعي الأسلحة الإلكترونية الحصول على تراخيص تصدير من وزارة الدفاع الإسرائيلية لبيع أدواتهم في الخارج، مما يوفر للحكومة فرصة للتأثير على البلدان التي تشتري منتجات الشركات الإسرائيلية.

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن أغلب أعضاء فريق البحث بشركة "إن إس أو" هم من قدامى المحاربين، إذ أن معظمهم خدم في جهاز الاستخبارات العسكري الإسرائيلي "أمان".

ويعتبر موظفو الشركة الأكثر كفاءة هم جميعا من خريجي دورات تدريبية مخصصة للنخبة، بما في ذلك وحدة سرية ومرموقة تعرف باسم "8200"، وهي وحدة استخبارات مسؤولة عن التجسس الإلكتروني، لا تقبل سوى حفنة من أكثر المجندين ذكاء يتم تدريبهم على أكثر الأساليب تقدما في برمجة الأسلحة السيبرانية.

في المقابل، قال متحدث باسم، بنيامين نتانياهو، إن رئيس الوزراء السابق لم يطلب أي مقابل سياسي مقابل شراء الدول لبرنامج "بيغاسوس".

وأضاف أن "الادعاء بأن رئيس الوزراء نتانياهو تحدث إلى زعماء أجانب وعرض عليهم مثل هذه الأنظمة مقابل مواقف سياسية أو إجراءات أخرى هو كذبة كاملة ومطلقة، حيث تتم جميع مبيعات هذا النظام أو المنتجات المماثلة لشركات إسرائيلية إلى دول أجنبية بموافقة وإشراف وزارة الدفاع، كما هو محدد في القانون الإسرائيلي".

في آب 2009، حاول رئيس بنما الجديد، ريكاردو مارتينيلي، الذي بدأ حملته الانتخابية الرئاسية القائمة على وعود "بالقضاء على الفساد السياسي"، إقناع الدبلوماسيين الأميركيين في البلاد بمنحه معدات مراقبة للتجسس على "التهديدات الأمنية وكذلك المعارضين السياسيين" وفقا لبرقية وزارة الخارجية التي نشرها موقع ويكيليكس.

وأجاب نائب رئيس البعثة أن الولايات المتحدة "لن تكون طرفا في أي جهد لتوسيع التنصت على الأهداف السياسية المحلية".

في أوائل عام 2010، كانت بنما واحدة من ست دول فقط في الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعم إسرائيل ضد قرار لإبقاء تقرير لجنة غولدستون التي كانت تحقق في مزاعم جرائم الحرب التي ارتكبت خلال حرب غزة 2008-2009 على جدول الأعمال.

بعد أسبوع من التصويت، هبط مارتينيلي في تل أبيب خلال أولى رحلاته خارج أميركا اللاتينية. وقال آنذاك للرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، إن بنما ستقف على الدوام إلى جانب إسرائيل، تقديرا "لوصايتها على عاصمة العالم - القدس".

وتابع: "لقد قطعنا مسافة كبيرة، لكننا قريبون جدا بسبب قلب بنما اليهودي".

وخلف الأبواب المغلقة، استخدم مارتينيلي رحلته للذهاب في جولة تسوق لشراء أجهزة التجسس، طبقا لتحقيق "نيويورك تايمز".

في لقاء خاص مع نتانياهو، ناقش الرجلان صفقات المعدات العسكرية والاستخباراتية التي أراد مارتينيلي الحصول عليها من الشركات الإسرائيلية.

وفقا لأحد الأشخاص الذين حضروا الاجتماع، كان مارتينيلي مهتما بشكل خاص بالقدرة على اختراق خدمة رسائل "بلاك بيري" النصية (BBM)، والتي كانت شائعة جدا في بنما خلال ذلك الوقت.

وبعد شراء برنامج "بيغاسوس" عام 2012، صوتت حكومة مارتينيلي لصالح إسرائيل في مناسبات عديدة.

وفقا لشهادة قانونية لاحقة من إسماعيل بيتي، وهو محلل بمجلس الأمن القومي في بنما، فقد تم استخدام البرمجيات الإسرائيلية في حملة واسعة النطاق "لانتهاك خصوصية البنميين وغير البنميين - المعارضين السياسيين والقضاة وقادة النقابات والمنافسين التجاريين - كل ذلك دون اتباع الإجراءات القانونية".

من خلال سلسلة من الصفقات الجديدة، كان "بيغاسوس" يساعد في ربط جيل صاعد من قادة اليمين في جميع أنحاء العالم.

في 21 تشرين الثاني 2016، استقبل بنيامين نتانياهو وزوجته سارة، رئيسة وزراء بولندا، بياتا سزيدلو، ووزير خارجيتها، ويتولد واسزكزيكوفسكي، على العشاء في منزلهما.

بعد فترة وجيزة، وقعت بولندا اتفاقية مع "إن إس أو" لشراء نظام "بيغاسوس" للمكتب المركزي لمكافحة الفساد. وذكرت "سيتزن لاب" في كانون الأول 2021 أن هواتف ثلاثة أعضاء على الأقل من المعارضة البولندية تعرضت لهجوم بواسطة أداة التجسس الإسرائيلية.

ولم يأمر نتانياهو بقطع نظام بيغاسوس عن بولندا - حتى عندما سنت الحكومة البولندية قوانين اعتبرها كثيرون في العالم اليهودي وفي إسرائيل بمثابة إنكار للمحرقة.

كذلك، رخصت وزارة الدفاع الإسرائيلية برنامج التجسس القوي إلى المجر، على الرغم من حملة رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، لاضطهاد خصومه السياسيين، بحسب الصحيفة الأميركية.

ونشر أوربان أداة التجسس على شخصيات معارضة ونشطاء اجتماعيين وصحافيين أجروا تحقيقات ضده، بالإضافة إلى عائلات شركاء أعمال سابقين أصبحوا أعداء لدودين لرئيس الوزراء.

وكان أوربان داعما لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي كما تقول الصحيفة الأميركية. ففي عام 2020، كانت المجر واحدة من الدول القليلة التي لم تتحدث علنا ضد خطة إسرائيل في ذلك الوقت لضم مساحات من الضفة الغربية من جانب واحد.

في أيار من العام ذاته، حاول وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي التوصل إلى إجماع عند دعوتهم لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وكذلك لزيادة المساعدات الإنسانية لغزة. ورفضت المجر الانضمام إلى 26 دولة أخرى.

في عام 2017، وافقت إسرائيل على بيع "بيغاسوس" إلى السعودية وتحديدا إلى وكالة أمنية تحت إشراف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بحسب الصحيفة.

وقال مسؤول إسرائيلي للصحيفة الأميركية إن إسرائيل كانت تسعى لكسب الأمير محمد بن سلمان، إذ تم توقيع العقد مقابل قدرها 55 مليون دولار.

وبعد تحقيق "نيويورك تايمز"، أصدر حزب الليكود، الذي يتزعمه نتانياهو، بيانا يفند هذه الاتهامات، واعتبر تلك التقارير "كذبة لا أساس لها من الصحة".