انطلقت صفّارة الإعلان عن الترشّح للإنتخابات النيابية التي ستجرى في شهر أيار المقبل، ومن المرجّح أن تشهد الساحة ال​لبنان​يّة مفاجآت متعدّدة في هذا السياق، على حسب التحليلات. مبدئيًّا الإنتخابات قائمة، إلا إذا حصل ما لم يكن بالحسبان.

من الملاحظ أن انطلاقَ الجولات الإنتخابية لم تبدأ بزخم بعد، وحتى الواجبات الإجتماعيّة باتت مختصرة بسبب تفشّي وباء كورونا، كما أن الوجدان اللبناني لم يعد يقبل معظم هذه الواجبات ذات البعد الإنتخابي، خصوصًا عند الشريحة الأكبر من المواطنين، ولا سيّما جيل الشباب، وابنتي من هذا الجيل.

بدأت ابنتي في دراسة الحقوق، وبما أن الدستور هو المادّة الدسمة في سنتها الأولى، وفي صلبه التشريع ودَور المجلس النيابي، فقد قرّرت أن تتابع بعضًا من جلسات المجلس المسجّلة عبر مواقع التواصل الإجتماعي. أول استنتاج لها كان أنّ الجلسات المنقولة يغلب عليها طابع الهرج والمرج، كما أن هناك مضيعة للوقت من قبل بعض الأطراف وعروض إنتخابية...

استطرادًا، وبمناسبة الإنتخابات العتيدة، جرت العادة أن يزور المرشّحون دُور العبادة ورجال الدين لأخذ البركة والرضى، على اعتبار أنهم مفتاحٌ انتخابي دسم. هذا شواذ القاعدة إن حصل، لذا أبعدوا هذه الكأس عن رجال الدين، الذين بالإجمال من المفترض أن يكونوا على مسافة واحدة من جميع المرشّحين، والا ينحازوا إلى هذا أو ذاك، وعليهم بالصلاة والدعاء لأجل الصالح العام.

فإذا كانت الزيارات لحمل المساعدات للمحتاجين، فنسأل أين أنتم من السنتين التي مرّت على أبنائنا بقساوة وما زالت؟ أين استفقادكم للمصابين بوباء كورونا والذين يُذَلّون على أبواب المستشفيات؟! وقد صدف أن قلت لأحد النواب الحاليين بوجود أشخاص يحبّونه، فاستغرب الأمر، وقال ببساطة (بعد في ناس بحبّونا؟)، فبدا لي متصالحًا مع نفسه.

بالعودة إلى ابنتي، فقد أجرت نقاشًا طويلًا معي، وهي التي تتابع الوضع عن كثب، شأنها شأن كافة الشباب في هذا البلد، والذين بمعظمهم مشروع هجرة، وسألت: أين القوانين التي أُقرّت ولم تنفّذ؟ أين المشاريع التي أُقرّت لخدمة الناس؟ أين القوانين التي حمت أموالهم وودائعهم؟ أين القوانين التي تحمي استقلالية القضاء؟ أين قانون المحاسبة؟ أين عدالة ٤ آب؟ أين التشّريع فيما خصّ الأمن الإجتماعي والأمن الغذائي؟ أين إقرار معامل الكهرباء؟ أين قوانين الإيجارات العادلة؟ أين القوانين التي تحصّن التعليم المجاني والجامعة اللبنانية؟ أين إقرار خطة النقل العام؟ أين ضمان الناس وضمان الشيخوخة؟ أين القوانين التي تضبط التهريب؟ أين القوانين التي تحفّز على تشجيع الإستثمارات، لا سيما في الأرياف والأطراف؟ أين النصوص التي ترعى أبسط الحقوق؟ أين احترام الدستور؟ أين تطبيق الطائف الذي ندرس نصوصه ونعتمدها؟ أين وأين وأين؟ تطول لائحة الأسئلة التي طرحتها تلميذة لم تنهِ الفصل الأول من سنتها الأولى في دراسة الحقوق.

أشاطر ابنتي الرأي، واسأل أيضًا عن الوعود التي سمعناها منذ ثلاثين سنة إلى اليوم ولم تبصر النور.

لن يستقيم البلد إلا عندما نخرج من سياسة المافيات المتّبعة، وعقلية المزارع والتبعية والإستئثار والمحاصصة، بالإضافة إلى السمسرات والتنفيعات ونهب ​المال العام​. لن نعرف الإستقرار طالما أنّ هناك فئاتٍ وطوائفَ وأحزابًا متسلّحة بالغريب، كائنًا من كان، ولا رقيب ولا محاسبة أو حسيب.

ذكرت لابنتي ما قاله على مسمعي يومًا أحد المقرّبين من مركز القرار في روسيا: "لا تستطيع روسيا أو غيرها مساعدة اللبنانيين طالما هم لا يساعدون أنفسهم، ولا يعملون لمصلحة وطنهم".

سألت ابنتي: كيف نستطيع الوصول إلى مستقبل جيّد ونحن رازحون تحت ويلٍ من الأزمات وتراكمات من المصائب؟ وكيف لبلد عرف ثورة بسبب ضريبة على الإتصالات، والدولار حلّق إلى أرقام قياسية ولم يحرّكوا ساكنًا؟ لم أجد جوابًا مقنعًا في جعبتي لأقدمه لها، فالتزمت الصمت!.

من هنا لا أرى، بالمرحلة المقبلة، أي تغيير حاصل في الإنتخابات. فعقلية الإنتقام والتشفّي موجودة، والكراهية واضحة، والبغض سيد الموقف، وهذا ما تطالعنا به الأصوات من هنا وهناك، والإعلام يساهم بقوّة في ذلك، والهدف تحصيل مقاعد لا أكثر. أما شكل التحالفات فقائم على تقاسم الجبنة للحفاظ على المواقع، ومَن يدّعون التغيير والثورة لا قدرة، لتاريخه، على توحيد صفوفهم في وجه عقلية المصالح الطائفية والحزبية، وشريحة منهم ليست ببراء من هذا التاريخ، وكلٌ له أجندة، والواقع ثبّت الوقائع. التغيير الحقيقي يبدأ في النفوس المتحررة، لا في العقول المتحجّرة.

لقد استطاع الطب أن يزرع أعضاء كثيرة في جسم الإنسان ما عدا الضمير. سؤالي إلى من تبقّى عنده بعضٌ من الضمير: ماذا قدمتم للبنان وماذا فعلتم بالناس خلال كلّ هذه السنين؟ بربّكم تذكّروا ما جنته أياديكم واستلهموا الرحمن من اجل شابّات وشبّان لبنان.