أشارت مراسلة الـ "بي بي سي" في ​بيروت​ كارين طربيه، أن ​الوضع الاقتصادي​ العام في ​لبنان​ انعكس سلباً على ​السجناء​ في ​سجن رومية​ والذي يعتبر أكبر سجن في لبنان.

وصفت طربيه، في تقريرٍ لها، أن "خليط من الرهبة والترقب والأسى ينتاب من يزور أكبر سجن في لبنان، سجن رومية (منطقة المتن، شمال شرق بيروت)،مشهد الملابس الملونة المتدلية من نوافذ الزنازين بات مألوفاً، غير أن ألف سؤال يتدافع في ذهن الزائر، ما أن يدخل الباحة المسيّجة بجدران إسمنتية مرتفعة"، لافتةً"سبقت زيارتنا للسجن إجراءات طويلة وأذونات متعددة انتظرنا أشهراً للحصول عليها. أما ما دفعنا لمعاينة الوضع هناك، فهو سؤال بسيط: إذا كانت الدولة في لبنان عاجزة عن تأمين الطعام والطبابة للعناصر الأمنية ولقواتها العسكرية، فكيف تكون قادرة على تأمين ذلك للسجناء؟".

وبحسب قولها "في سجن رومية أربعة مبان يشبه بعضها البعض الآخر. دخلنا المبنى دال. في باحته الخارجية، تحلّق عدد من السجناء، ثم بدأ بعضهم ينادي على الآخرين. الشكوى واحدة على لسان الجميع: غياب الدواء والرعاية الصحية"، ونقلت عن أحد السجناء "إذا مرض السجين لا يجد حبة دواء. قد يحتضر من الألم وليس من علاج".

وأفادت كارين مشكلة ​الأدوية​ والعلاج تفاقمت في السجن منذ أكثر من عام، حيث أن في السابق كانت طبابة السجناء على نفقة الدولة ولكن مع الارتفاع الهائل في أسعار الدواء وبعد رفع الدعم عنها، لم تعد الدولة قادرة على تأمين كلفة العلاجات، وبدأت تظهر الوصفات الطبية ممهورة بجملة "على نفقة ذويه"- أي أنه يُطلب من ذوي السجين تأمين الأدوية له.

وأضافت "أمام هذا الواقع يبقى كثيرون عاجزين عن تأمين الأدوية، في وقت يحاول السجناء في بعض الحالات جمع ثمن الدواء بينهم لتأمينه لسجين زميل. أما إدارة السجن فتحاول البحث عن مصادر بديلة للأدوية، من بينها الجمعيات الأهلية والهبات"، موضحةً "لا شك أن الوضع الاقتصادي العام ينعكس على السجن. فإذا كنا نحن كقوى امنية نعاني في المستشفيات للحصول على الخدمات الطبية، فما بالك بالسجين الذي كان يعتمد بالكامل على الإدارة لتغطية نفقات علاجه وباتت غير قادرة على ذلك"٬ يقول العقيد ماجد الأيوبي، قائد سرية السجون المركزية".

وفي السياق، نقلت كارين الوضع في السجن قائلةً "يطيل السجناء في الحديث عن مشكلة شح الأدوية. ويقول أحدهم: "نعتمد بشكل أساسي على الأدوية التي تصلنا من ​الصليب الأحمر​ ومن الجمعيات الإنسانية، والكميات التي تصل تنتهي بسرعة كبيرة. الدولة غير قادرة على فعل شيء. إذا مرض أحدهم، نجمع الأموال في ما بيننا ،كل حسب قدرته وندفع بالنيابة عنه. وفي الوقت الذي بدا فيه أن مرضى السرطان ومن يحتاجون لغسيل كلى، لا يزالون يتلقون علاجاتهم، إلا أن أي شيء آخر مرتبط بالطبابة من عمليات وصور أشعة وغيرها، لم يعد ممكناً إلا للسجين الذي يدفع ثمن علاجه بنفسه".

وفي هذا الإطار، سألت كارين سجيناً عن العلاقة بين السجناء والقوى الأمنية وإذا ما كان السجناء يخبرونهم بالمشاكل التي يعانون منها. فكان الجواب: "الواقع أننا نشكي لهم، فيبكون لنا أي أن "حال بعض السجناء قد يكون أفضل من حال القوى الأمنية التي كانت في السابق تعتبر أنها وعائلاتها مؤمنة ومضمونه طبياً، لتجد بعد الانهيار أن الحال تغيّر بالكامل".

وأفادت بأن "في السجن أيضاً شكوى من كمية ونوعية الغذاء التي تراجعت أيضاً نتيجة الغلاء الكبير بالأسعار الذي جعل المتعهدين يقتصدون بالكميات وباللحم والدجاج، حتى بعدما رفعت الدولة من قيمة العقود معهم. فالسجناء الميسورون نسبياً يشترون طعامهم من حانوت السجن الذي ارتفعت أسعاره تماماً كما الحال في كل المتاجر في البلاد".

وفي الجانب الآخر، وصفت طربيه مشهد الإكتظاظ في السجن قائلةً " في الزنازين يتكدس السجناء فوق بعضهم. حتى عندما عاينّا أحد الممرات وكان السجناء في الزنزانات جالسين على الركبتين لضيق المساحة، مرصوصين الواحد بجانب الآخر، كانوا بالكاد يسعون بين جدرانها"، لافتةً "فبحسب معايير ​حقوق الانسان​، يُفترض أن يكون العدد الإجمالي للسجناء في سجن رومية بمبانيه كافة، ألفا وخمسين سجيناً. اليوم، عدد السجناء هناك بحدود أربعة آلاف سجين".

وأشارت الى أن "هناك أسباب متعددة لهذا الاكتظاظ من بينها البطء في المحاكمات. فأغلبية السجناء موقوفون وليسوا محكومين بعد. بعض الذين التقيناهم ينتظرون منذ سنوات البتّ في قضاياهم التي قد تكون عقوباتها القصوى سنوات سجن هي أقل مما قضوه حتى الآن وراء القضبان".

وختمت كارين بكلماتها " في السجن، روايات وروايات لا تنتهي. حالات تتشابه، كلها فريدة في الوقت نفسه، ويلتقي السجناء في رواية معاناتهم وفي المطالبة بتحسين ظروف سجنهم وإن كانوا يعلمون أن الوضع العام في البلاد لا يدعو لأي تفاؤل بتحسّن وضعهم الخاص. حتى أهلهم باتوا، بسبب الغلاء والارتفاع الهائل بأسعار البنزين، يخففون من زياراتهم لهم"، قائلةً "ما يحدث خلف قضبان السجون غالباً ما يبقى هناك. لكنّ الأزمة اللبنانية جعلت الزنازين تضيق بالمساجين وبحقوقهم الأساسية".