الكَنيسة في ​لبنان​ ولَهُ، أبعَدُ مِن رَمزٍ يَعكِسُ الكَيانَ، وأكثَرُ مِن تَحقيقٍ بِهِ يَتَجَوهَرُ الجَوهَرُ. هي صَخرَتُهُ وَرُكنَهَ الأساسُ، حتى يُدرِكَ اللهَ، غايةَ الغاياتِ. وهو مَتى أدرَكَ اللهَ، كان مُدرِكاً للإنسانِ،فبالإنسانِ يَستَكمِلُ لبنانُ ذاتَه الإلَهيَّةَ.

بالكنيسةِ، يَلمِسُلبنانُأنَّهُ جَوهَرٌ مِن فَوقٍ لأرضٍ هي، بَينَ الآياتِ والشَواهِدَ، في بَحثٍ عَن القائِمِ في المُطلَقِ.

وَمِن دونِها، لا لبنانَ.

أهوَمَجالُها الحَيَويِّ؟.

هي لا تُناجيهِ كَما يُناجي ضَميرٌ المَواجيدَ، بَل بِهِ تواجِهُ إبطالَ أسبَقيَّةِ الوجودِ وإلغاءِ فَيضِ الجَوهَرِ.وَهيَ الحَقيقَةُ التي بِها تُسَوَّغُ الماهيَّاتِ وَتَتَجَمَّلُ الجماداتِ، كَمَن يَقصِدُ ليَعني أنَّها ألِفُهُ وَياؤهُ. وَكَما هو في طَبيعَتِهِ الجُغرافيَّةِ، قِمَمٌ وَمَهاوي، بَعدَها صَحارى وَإنعِدامُ تَعَملُقٍ، كَذَلِكَ في طَبيعَتِهِ الماوَرائيَّةِ، هو مَهاوي لِمَن قَصدُهُ الإبطالُ فالإلغاء، وَقِمَمٌ لِمَن قَصدُهُ بُلوغُ الفَوقَ هَدَفَ وَعيٍّ. بِذَلِكَ هو يُشَعشِعُ. وَما نورُهُ الذي بِهِ يَجودُ الى إنطِفاءٍ، شاءَ مَن شاءَ وَأبى مَن أبى.

لِنَقُل أنَّه بِذَلِكَ، هو قَضيةٌ: هو الرِسالةُ.

الكَنيسَة مَلَكوتٌ؟ هو، لبنانُ، رُكنُهُ، فَلا تُعَرِّجُ الى المَلَكوتِإلَّا بِهِ وَفيهِ وَمَعَهُ. وَحينَ تَهرَعُ كياناتٌ لِلهُتافِ: "بيَ القوَّةُ، فَلي الحَقُّ، أينَ بَعد ضَحيَّتي؟"، يَعلو بالشهادَةِ: "ها أنَذا إنجِذابُ المُرهَقينَ، وإنخِطافُ التائِبينَ، وَتَعاقُبُ كَوكباتِ المُضطَهَدِينَ".

وَلا يُغالي.

مِن شُهداءِ الكَنيسَةِ الأولى في صورَ وَصيدا وَبعلبكَ وَجَبَلِ لبنانَ وَبيريت... الى آخر طوباوييَّنِ شُهداءَ أرسَلَهُما الى السَماءِ: ليونار ملكي وتوما صالح، أنهارُ دِماءٍ ذَكيَّةُ رَفَدَتهُ بِحيَاةٍ ما بَعدَها مَوت، لأنَّها أقوى مِنَ المَوتِ، وَأفعَل مِن ايِّ حَياةٍ.

أينَ سَطوَةُ الجُيوشِ وَقَرقَعَةُ الأسلِحَةِ مِنها؟ ها هي، في طَبيعَتِهِ التاريخيَّةِ، مُسَجاة في حُرمَةِ مَوتٍ، وَهوَ بِشهادَةِ شُهَدائِهِ وَأبرارِهِ وَمُعتَرِفيهِ المِعنى الأوحَدِ لِلحياةِ.

وَحدُها الكَنيسَةُ تَجعَلُ مِن هذا اللُبنان نَيِّراً واجِباً، حاجَةً لِعناقِ الأرضِ وِالسَماءِ... حَقيقَةَ المِعنى وَالمَبنى، في جَليَّةِ الوِحدَةِ الإلَهيَّةِ وِالتَنَوِّعِ الإنسانيِّ. وَلِكِلَيهِما حَقٌّ لا يَنفَصِم، وَجَمالٌ لا يَذبُل، وَواقِعٌ بِهِ يَكونُ لبنانُ أمضى مِن أيِّإرادَةٍ لإفنائِهِ، وأبقى.

المَطافُ الأكبَر

لأجلِ حَقِّ هَذِهِالحَقيقَةِ، وَهي مَنَ الإيمانِ الإيمانِ، وَإليهِ تَعودُ، أعتَرِفُ لِلعارِفينَ كَما لِلضالِّينَ، وَلا سِيمّا لأولَئِكَ المُستَكبِرينَ مَن تَناطَحوا لِلتَفَوِّهِ بأنَّ مُعضِلَةَ لبنانَ هي كَنيسَتُهُ. لِهؤلاءِ المُضَلِّلينَ بإستِكبارِ ضَلالِهِم وَتَكابُرِ سِلاحِهِم، اقولُ: ما هَمَّني إن ما إقتَنَعتُم. جَرِّبوا، وَسارِعوا... لِيُسَرِّعَ لبنانُ، بِطَبيعَتِهِ الثالوثِيَّةِ: الطَبيعيَّةِ وَالماوَرائِيَّةِ وَالتاريخيَّةِ دَوسَكُم بِحَقيقَتِهِ. أنتُم أحرارُ في أن تُجَرِّبوا، وَلَكِن أعلًموا أنَّ لبنانَ لَيس حُرَّاً في ألَّا يَكون ما هو. وَما هو أنَّهُ وَالكَنيسَةُ صِنوانِ: وكَما أنَّأبوابَ الجَحيمِ لَن تَقوى عَليها، كَذَلِكَ فَأبوابُكُم لَيسَ لَها مِن سُلطانٍ عَليه. لا بَل أنَّ هَذِهِ الأبواب، بِبؤسِها وَرُعبِها، آيلَةٌ الى التَحَطُّمِ عِندَ أقدامِهِ.

هيَ تِلكَ حُريَّتُهُ، وَهي مُطلَقَةٌ، لا تَكتَفي بأن تَصفعَ مَن غايَتُهُ المَوتُ، بَل بِهِ تَقهُرُ المَوتَ الذي حَمَلَهُ للقَضاءِ عَلَيها... بالحياةِ التي فيها. هو يَهوي الى مَطافِ العَدَمِ، وَهي تَرتَفِعُ لإرادَةِ البَقاء الأكبَرِ.

كِيفَ؟ لا بِلُغزٍ، بَل لأنَّ حُريَّةَ لبنانَ التي رَواها الدمُّ البَشَريُّ لِلذي إفتداهُ عَلى صورَةِ حُريَّة الكَنيسةِ التي رَواها دَمُّ الفادي الإلَه.

أجَل! بالحُريَّتَينِ مَعاً، إكتِمالُ رِسالَةِ لبنانَ! وَهَذِهِ ذُروَةُ يَقينِ خَلاصِهِ.

فَلا خَوفَ عَلَيهِ.