على وقع إستمرار الجدل السياسي حول حصول ​الإنتخابات النيابية​ في موعدها أو تأجيلها، سجّلت في الفترة الماضية بعض التطورات، التي تثبت أن المعركة في مكان آخر، بغضّ النظر عن هذا الإستحقاق ونتيجته شبه المحسومة من وجهة نظر الكثيرين. أبرز هذه التطورات قد تكون العودة السعوديّة إلى لبنان، بالرغم من أن معالمها لم تظهر بشكل كامل، على الأقلّ حتّى الآن، بالإضافة إلى تزايد الحديث عن الحاجة إلى مؤتمر دولي خاص، بعد الإنتهاء من هذه الإنتخابات.

من حيث المبدأ، لا يمكن فصل العودة السعودية عن الدعوات إلى المؤتمر الدولي، التي كان أبرزها حديث ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​، خلال زيارته إلى مصر، عن الحاجة إلى هذا المؤتمر على غرار الطائف، بسبب عدم قدرة اللبنانيين على الجلوس مع بعضهم البعض، نظراً إلى أنّ أيّ مؤتمر من هذا النوع لا يمكن أن ينعقد من دون تمثيل الطائفة السنّية، وحضور مرجعيّتهم الإقليميّة منذ توقيع الطائف، أيّ السعوديّة.

الحديث عن ضرورة الذهاب إلى هذا النوع من المؤتمرات للبحث في الملف اللبناني ليس بالأمر الجديد، حيث طُرح هذا المرة في أكثر من مناسبة في السنوات الماضية، لكنه برز بشكل جدي، بحسب مصادر سياسية متابعة عبر "النشرة"، عند زيارة الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ إلى بيروت بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، في حين كان البطريرك الماروني يكثّف من دعواته التي تصبّ في هذا الإتجاه.

في الماضي، كان ينظر إلى "​حزب الله​" على أساس أنّه الراغب الأول في الذهاب إلى مثل هذا المؤتمر، على قاعدة الإتّهامات التي توجّه له بالسعي إلى المثالثة، بالرغم من أن هذه الإتهامات كانت تنحصر بالحديث عن الرغبة بالوصول إلى ​مؤتمر تأسيسي​، على عكس ما يُطرح اليوم من الدعوة إلى مؤتمر دولي، حيث من المفترض أن يكون سلاح الحزب بنداً أساسياً على طاولته، الأمر الذي يحوله إلى مشكلة كبيرة من وجهة نظر هذه المصادر بدل أن يكون مشروع حلّ، نظراً إلى أن الحزب لن يذهب إليه خصوصًا أن الأبرز سيكون سلاحه بنداً فيه.

في هذا السياق، تشير المصادر نفسها إلى أن الحزب، عند زيارة ماكرون، لم يكن معارضاً لما طرحه بالنسبة إلى العقد الإجتماعي الجديد، نظراً إلى اعتباره أن الأمور ذاهبة إلى هذا المكان في نهاية المطاف، وبالتالي من المفترض أن يجلس اللبنانيون مع بعضهم البعض لبحث المسألة، قبل أن يفرض الأمر عليهم من الخارج، لكنها تجزم بأنّ الموضوع مختلف، في الوقت الراهن، ما دفعه إلى رفع سقف المعركة الإنتخابيّة من الناحية السياسية.

وفي حين كان البطريرك الماروني قد اعترف بصعوبة الأمر، من خلال إشارته إلى أن "الجميع موافق على ذلك رغم صعوبة إجرائه"، تلفت مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أن الإعتراضات على أي طرح من هذا النوع كانت تأتي من المسيحيين والسنة والدروز، لكن اليوم رأس الكنيسة المارونيّة هو من يتحدّث عن ذلك، بينما الواقع على الساحة السنّية، التي كانت ترفض أيّ مسّ ب​إتفاق الطائف​، لا يُسمح لها بقيادة مواجهة من هذا النوع، خصوصاً أن الظروف الإقليميّة المستجدة قد تدفع بالسعودية إلى الموافقة على هذا الأمر، بينما الدروز لا يملكون القدرة على إسقاط تسوية من هذا النوع في حال حصولها.

على الرغم من ذلك، تطرح المصادر نفسها الكثير من علامات الإستفهام حول الثمن المطلوب في المقابل، نظراً إلى أن أيّ تعديل على النظام القائم، منذ إتّفاق الطائف، من المفترض أن يأخذ بعين الإعتبار الصعود الكبير في دور الطائفة الشيعيّة السياسي، الأمر الذي لم تظهر معالمه حتى الساعة، لا سيّما أن الفريق الآخر يرفع السقف عالياً بالنسبة إلى موضوع سلاح "حزب الله".

في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى نقطة مفصليّة تكمن بأنّ العودة السعوديّة جاءت بعد إنتهاء مرحلة التأثير الكبير في الإستحقاق الإنتخابي، لكن بالتنسيق مع الجانب الفرنسي، الذي يتبنّى الدعوة إلى مؤتمر دولي، مع العلم أنّ باريس هي الوحيدة من القوى الدوليّة الغربيّة التي لا تزال تحتفظ بقنوات تواصل مباشرة مع "حزب الله"، بغض النظر عمّا إذا كان هكذا طرح سيمر بهدوء أو على وقع أحداث محليّة كبرى.