من يتابع مسار المفاوضات الجارية ل​ترسيم الحدود البحرية​ ل​لبنان​ مع ​اسرائيل​، يصاب بالذهول لان المفاوض الاميركي الذي اختاره الجانبان (ولو على مضض بالنسبة الى لبنان)، يسير بسرعة على هذه الجبهة وكأنه هو المعني الاول والمباشر بهذه الحدود، فيما التباطؤ اللبناني انما يعود الى سياسة "تسجيل النقاط" التي يتقنها اللبنانيون ولو على حسابهم. اللافت في الموضوع، ان مقولة السرعة من دون التسرّع لا تصحّ في هذه الحالة بالنسبة الى اللبنانيين، لانّ المشكلة لم تعد بالخطوط الواجب اعتمادها، وخصوصاً بعد تخطي ما اثاره الرئيس السابق للوفد المفاوض من قبل ​قيادة الجيش​ (العميد الركن بسام ياسين) لجهة خطّي 23 و29 واللغط الكبير الذي دار حولهما، فالمشكلة اصبحت محصورة فعلياً بمن سيكسب نقاط جولة المفاوضات والترسيم، وهي نقاط طويلة الامد وستشكل رصيداً مهماً لمن سيحظى بها. ولكن السؤال هو: هل الخارج في وارد اعطاء نقاط تفضيلية للاعب على آخر في هذا المجال على ابواب الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها بعد اقل من شهرين؟ لا يبدو ان الجواب هو بالايجاب، ولكن في المقابل، لا يمكن وضع الحماسة الاميركيّة جانباً بالنسبة للوصول الى حلول في هذا الشق، وهي رغبة متأتية من وضع قطعة "البازل" الاولى على خارطة الصورة الكبيرة والجديدة للمنطقة ككل. فبالاضافة الى المكاسب التي من المتوقع ان تتحقق للشركات الاميركية جراء هذا الاتفاق، (والشركات الاوروبيّة ايضاً انما بنسب اقل بطبيعة الحال)، يكون الاميركيون قد وضعوا حجر الاساس لمسائل ترسيم الحدود الاخرى، وكسبوا رهان تخفيض التوتّر بشكل كبير بين لبنان واسرائيل، بفعل اهتمام الجانبين بمسألة استخراج النفط والغاز وعدم القيام بأي جهود لتقويض عمل الشركات وتأخير الحصول على المردود المالي. وهذا الامر ان حصل، من شأنه ان يكون بمثابة انتصار دبلوماسي يوازي بأهميته ما حصل سابقاً لجهة فتح خطوط التطبيع بين اسرائيل وعدد من الدول العربية. وهذا الانتصار الدبلوماسي يكون مزدوجاً بالنسبة الى الاميركيين لانه يضعهم في موقع متقدم على ​روسيا​ في المنطقة، على الرغم من تواجد موسكو بشكل اكبر بكثير وميداني في ​سوريا​، وتراجع الحضور الملموس الاميركي.

انما ازاء هذه الحماسة الاميركيّة، لا تبدو الدول الاخرى على القدر نفسه من الحماس، بدليل التباطؤ المسجّل على الجبهة اللبنانية الداخلية، حيث لا يزال شد الحبال قائماً في هذا السياق بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ المتحمس لتحقيق هذا الانجاز قبل انتهاء ولايته، ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ المتحمس لعدم تجيير اي نقطة لعون على مشارف انتهاء عهده، فيما هو ضامن لبقائه على رأس السدّة النيابية لسنوات اربع مقبلة على الاقل. ما يعني ان بري اكثر راحة لانجاز الموضوع بعد الانتخابات النيابية والرئاسية، وهو كان واضحاً بالامس حين شدد على ان الانتخابات الرئاسيّة ستجري في موعدها، وهذا يعني عملياً انه في حال وصول رئيس جديد، فسيكون انجاز الترسيم في خانة برّي حتى ولو كان في عهد الرئيس المقبل للجمهورية، اما في حال عدم انتخاب رئيس كما يتوقع الكثيرون، فعندها ليس هناك من شك بأن النقاط ستذهب كاملة الى خانة بري الذي سيستغلها بأفضل طريقة ممكنة لتثبيت وتعزيز مكانته ومكانة حلفائه في لعبة النفوذ اللبنانية.

من هنا، من المرجّح ان تخفّ الحماسة الاميركيّة لفترة من الوقت، على الاقلّ حتى حصول الاستحقاق الانتخابي، ليصار عندها الى وضع النقاط الحاسمة على مشروع الاتفاق، وتتحول اللعبة بعدها الى عامل الوقت فقط لا غير.