إنَّ اللّٰهَ سبحانهُ وتعالى من خلال تعاليمه وأحكامه، يريد أن يزرع رقابةً داخليةً لدى كل إنسان.

هذه الرقابة الداخلية التي يُعبَّرُ عنها بالضمير، تُشكِّل واحدةً من أهم قوائم تكوين الإنسانية لدى الإنسان، والتي قد يُعبَّر عنها بالتقوى التي هي غاية الصوم "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".

وشهر رمضان المبارك له دورٌ كبيرٌ في زرع هذا الواعظ الداخلي، والرقابة الداخلية للإنسانِ، والتي هي الأهم حيث لا يمكن له أن يتفلّت منها، كما يقوم الأغلب من الناس بالتفلّت من القوانين الوضعية أو الأحكام المدنية إذا خالفت مصلحته وأهواءه.

كما أنّ هناك تكاملاً في دورة شهر رمضان المبارك، ما بين الصوم الذي فيه تزكية للبدن والنفس والروح: فالصوم الذي له دورٌ إيجابي في صحة الإنسان الجسدية والنفسية كذلك، يجعل الإنسان -المرفَّه عادةً- يشعر بالجوع والعطش فيواسي الفقراء ويتآسى بهم.

كذلك هذا الجوع يذكر الإنسان بوقفة يوم القيامة في ساحة المحشر للحساب أمام رب العالمين. فهذا التذكّر يجعل الإنسان يراجع ويدقق في أي فعل يريد أن يقوم به لأنه سوف يُسأل عنه ويُحاسب عليه.

وتلاوة القرآن الكريم الذي هو دستور المسلمين، والذي هو كتاب هدايةٍ للإنسان، يجعل من صوم الإنسان صوماً هادفاً واعياً متداركاً لحقائق الوجود وحقيقة الكون متأملاً في آيات اللّٰهِ وعظمته.

وقراءة الأدعية تجعل الصوم أكثر تكاملاً، من جهة توجّه الإنسان بحاجاته وطلباته إلى المؤثر في الوجود الذي هو اللّٰهُ، فيجعل الإنسان في حالة غنى عمّا في أيدي الناس، كما أنَّ في هذه الأدعية كدعاء الإفتتاح ودعاء الجوشن الكبير مضامين عالية في معرفة الله سبحانه وتعالى وصفاته وقدرته، وفيها إقرارٌ للإنسان بالعبودية للّٰهِ والخضوع له واعتراف الإنسان بأخطائه وتوبته.

ثم يأتي دور زكاة الفطرة التي لها بُعدٌ اجتماعيٌّ راقٍ في تكافل المجتمع بين الغني والفقير، حيث فرض الله عَزَّ و جَلَّ زكاة الفطرة على الغني لصالح الفقراء والمساكين من أجل إدخال الفرح والسرور إلى قلوبهم في يوم العيد، ولتقوية أواصر المحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي، حيث نجد بذلك تعميقاً للشعور الإنساني. فلا يمكن للمؤمن أن يشعر بالفرح وهناك من حوله حزين جائع فقير. فإنَّ حقيقة سعادة الإنسان "ما آمنَ باللهِ واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع" في المواساةِ والبذل والإيثارِ والعطاء.

هذه بعض أبعاد شهر رمضان المبارك التي فيها البركة والرحمة والمغفرة. هذه الأبعاد الروحيةُ والنفسية التي تجعل النفس تسمو في العلياء، والأبعادُ الإجتماعية التي تضمن التكافل بين أبناء المجتمع والمواساة فيما بينهم، والأبعاد التربوية التي فيها تهذيبٌ لسلوكِ الفرد.

والفائزُ هو الذي يستطيع تحصيلَ الكمّ الأكبر من هذه الأبعاد كي يسمو نحو فضاءات الرحمة والمغفرة.