لست من محبي شخصيّة ولا قرارات الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​، ولا احبّذ ما قام به على مدى العقد الاخير من الزمن إنْ في ​تركيا​ او في الدول المجاورة ومنها ​لبنان​، ولكنني لم اتمالك نفسي من توجيه تحية تقدير واحترام الى هذا الرجل حول موضوع وحيد، هو طريقة تعامله مع مسألة ​النازحين السوريين​ الذين وفدوا الى تركيا منذ العام 2011، فهو عرف كيف يلعب هذه الورقة، بعد ان استغل العالم قضيّة النازحين وحوّلها من مسألة انسانيّة موقّتة، الى ملفّ ضاغط على الدول التي استضافت الهاربين من الحرب الدائرة.

استغل اردوغان اعداد النازحين للحصول على الاموال اللازمة من دول العالم واوروبا على وجه التحديد، فكانت معاناة انقرة الاقتصاديّة والمادّية في الحد الادنى، كما انّه فرض طوقاً امنياً على النازحين، لتكون ايضاً الحوادث الامنيّة بسببهم في مستوى منخفض. اما الابرز في هذا المجال فكان ما اعلنه منذ أيّام عن مشروع يعمل عليه لإعادة مليون نازح سوري بشكل طوعي.

يستحق الرئيس التركي التصفيق والاحترام، فهو وضع مصلحة بلده وشعبه قبل كل شيء، من دون ان يفرّط بحقّ النازحين في العيش بكرامة انما داخل ارضهم وفي بيئتهم ومنازلهم، وهذا هو الصواب. ينقلنا هذا الامر الى لبنان، ومن المؤسف جداً المقارنة بين ما تفعله تركيا اردوغان في هذا المجال وما يقوم به المسؤولون اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية.

ماذا نفعنا الاكتفاء بالكلام والمطالبات فقط من دون التحرك الفعلي؟ ولماذا علينا ان نرضخ للإملاءات الاقليمّية والدوليّة لابقاء النازحين على الاراضي اللبنانيّة في ظلّ ازمة غير مسبوقة وإلاّ يتمّ اتهامنا بأننا "هتلر" هذا العصر؟ ليس المطلوب الحاق الاذى بالنازحين، فهم اناس وعائلات ومن الواجب الاهتمام بهم، ولكن مع انتفاء اسباب نزوحهم، لماذا يجب على لبنان ان يدفع ضريبة لا قدرة له على احتمالها على كل المستويات؟ وهل في الامر مخطّط لاخراج اللبنانيين ووضع غيرهم في هذه المساحة الجغرافيّة الصغيرة؟ وما الّذي فعله او سيفعله المسؤولون للوقوف في وجه هذا الامر؟ اليس هناك من يملك الجرأة ليكون في هذا الملف حصراً، رجب طيب اردوغان؟ مشاكل لبنان لا تنحصر اسبابها بالنازحين فقط، ولكن لا يمكن لأحد ان ينكر انهم جزء اساسي من المصائب التي حلّت باللبنانيين على اكثر من صعيد.

كان الاردن يخشى ان يجعله العالم بلداً رديفاً للفلسطينيين بحيث يمكن حلّ الازمة مع الاسرائيليين بنشوء دولتين عبر تحويل جزء منه الى وطن فلسطيني، وقد حارب الملك عبد الله الثاني بن الحسين هذا الموضوع، ونجح في ارجائه على الاقل وربّما في وقفه. اما في لبنان، فباتت الامور بالغة الوضوح لجهة اعتماده محطة دائمة لحلّ مشاكل لا يقبل ايّ بلد آخر في استقبالها، واذا ما استمرّ الخنوع والسكوت والخوف من "اغضاب" الدول، فلن يطول الوقت كي نجد هذا البلد مجرّد معبر للبنانيين ليصبحوا غرباء على ارضهم، وذلك على الرغم من عدم القدرة على تقسيمه الى دول لانّ مساحته الجغرافيّة لا تسمح بذلك، لكنّه لن يكون لبنان الذي تغنّى به الجميع في وقت ما من حقبة ستّينات وسبعينات القرن الماضي، وفرّطنا به من اجل مصالح شخصيّة ضيّقة، لم تؤتِ ثمارها الا لحفنة من الشخصيات...

في ظلّ وجود ​اللاجئين الفلسطينيين​، والنازحين السوريين، يحتاج لبنان الى اردوغان لاتخاذ القرار الشجاع، ولكن كالعادة لن يلقى موقف الرئيس التركي أيّ رد فعل من قبل المسؤولين الّذين سيستمرّون في تكديس كنوزهم واموالهم حتى آخر رمق، فيما غالبيّة الشعب يساق الى الذبح... برضاه.