بعد أن كانت مختلف التوقعات تؤكد بأن قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" ستفوز بالأكثرية النيابية، جاءت النتائج لتؤكد فشل هذا الفريق في الوصول إلى هذا الهدف، الأمر الذي من المفترض دراسته جيداً لاستخلاص العبر منه، لكن ما هو لافت أن هذا الفريق تعامل مع الاستحقاق، من الناحية الشعبية، كما لو أن البلاد لم تشهد أي تبدلات منذ العام 2018 حتى اليوم.

في هذا السياق، كان لافتاً أن هذا الفريق لم يسعَ إلى إستبدال أيّ من الأسماء التي كانت تمثله سابقاً، خصوصاً تلك التي من الممكن تصنيفها على أساس أنها مستفزّة، الأمر الذي دفع ثمنه على مستوى دائرة الجنوب الثالثة على سبيل المثال، بينما في دوائر أخرى لم يدرك أهمّية تجاوز الخلافات الشخصيّة لتشكيل لوائح قوية قادرة على تحقيق الفوز، كدائرة صيدا جزين على سبيل المثال، إلا أنّ الأهمّ هو الفشل في التعامل مع ظاهرة المستقلين والتغييريين.

في هذا الإطار، من المفيد الإشارة إلى أنه من الناحية الاعلامية نجح حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب"، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الشخصيات المستقلّة التي تدور في فلك قوى الرابع عشر من آذار، في جذب فئات واسعة من الناخبين الممتعضين من الواقع الراهن أو الراغبين في التغيير، على أساس أنهم يمثّلون "الثورة" أو الانتفاضة الشعبيّة التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

في المقابل، كانت قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" تضع نفسها، في جميع خطاباتها الإعلاميّة، في مواجهة هؤلاء الناخبين، إنطلاقاً من أنهم يمثّلون مؤامرة على هذا الفريق السياسي، بينما كان من السهولة في مكان جذب أعداد كبيرة منهم، عبر ترشيح بعض الشخصيات المحسوبة تاريخياً على هذا الفريق، بدل العمل على مهاجمة كل من كان يخرج عن الخطوط العريضة له، كرئيس حركة "الشعب" النائب السابق نجاح واكيم أو شخصيات أخرى تحمل الصفات نفسها.

بالإضافة إلى ذلك، لم يتنبّه هذا الفريق إلى أنّ هناك نقمة شعبية كبيرة على عدد كبير من النواب المنتمين إليه، نظراً إلى أنّهم في الأصل لم يقدّموا، منذ سنوات طويلة، أيّ إضافة تذكر في عملهم النيابي أو الخدماتي في دوائرهم، الأمر الذي كان من المفترض أن تتم معالجته عبر إستبدالهم، خصوصاً أن غالبيتهم لم ينجح في تأمين أصوات من الممكن أن تساعد اللوائح في كسب المزيد من الحواصل، بل كانوا يعتمدون على باقي المرشّحين لتحقيق ذلك.

هنا، قد يكون من المفيد الإشارة إلى نقطتين إضافيتين: الأولى أن اللوائح المعارضة في دائرة الجنوب الثانية، صور الزهراني، كان من الممكن، فيما لو كانت موحّدة، أن تنجح في خرق لائحة تحالف "حزب الله" و"حركة أمل"، أما الثانية فهي غياب فكرة التّحالف مع شخصيّات مستقلّة قادرة على تأمين المزيد من الأصوات من خارج الدائرة الحزبيّة، كما فعل حزب "القوات اللبنانية" في العديد من الدوائر، أبرزها دائرة المتن على سبيل المثال.

في الختام، هناك خطأ أساسي وقع فيه هذا الفريق، في الإنتخابات الحاليّة، تمثّل في إندافعه نحو تحويل الإستحقاق الإنتخابي إلى ما يشبه الإستفتاء على الخيارات السّياسية، خصوصاً سلاح "حزب الله"، بدل الإهتمام بالقضايا الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي تهمّ المواطنين، في ظلّ الإنهيار الكبير الذي تشهده البلاد على كافة المستويات منذ 3 سنوات.