لم يجفّ الحبر الإنتخابي عن الأصابع بعد، ليس لأنه مغشوشاً وحسب، بل لأنه لم يمض على انتهاء الاستحقاق سوى أيام قليلة، لكنها كانت رغم قلّتها كافية لإعلان بدء المرحلة الأصعب في عمر الإنهيار. مرحلة رفع الدعم الكامل عن كل شيء.

انتهت الانتخابات وأفرزت واقعاً جديداً في المجلس النيابي عنوانه "لا أكثريّة" لأيّ طرف، وهو ما يُعتبر النتيجة الامثل لكل القوى، وهذا ما أشار إليه أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله عندما تحدث عن أن عدم وجود أكثريات قد يكون "مصلحة لبنان" في المرحلة الراهنة.

بعيداً عن الإنتخابات، وصل سعر صفيحة البنزين الى 560 ألف ليرة، أي أقل ببضع ليرات من الحد الأدنى للأجور، ورغم ذلك نقُص البنزين ورُسم الدور على المحطات، وعاد مشهد العجوز الذي يلفّ يده بمنشفة رطبة لحمايتها من أشعة الشمس الحارقة، ريثما يصل دوره، فيشتري 10 ليترات من البنزين، تكفيه لبضعة كيلومترات، وطالت طوابير "الخبز" أمام الأفران، مع تحديد الكميات لكل شخص، حتى أصبحت الناس تشتري كل ما هو مصنوع من الطحين لسد جوعها وجوع عائلاتها.

هكذا ترد قوى السلطة "جميل" ناخبيها، فيسأل صديقي وهو من الذين صوتوا لهذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة: "ألم يكن بالإمكان تمديد العمل بالتسوية الماليّة التي كانت قائمة قبل الانتخابات، والتي ساهمت بتثبيت جزئي لسعر الدولار في السوق السوداء، وأمنت المحروقات والطحين، وأجّلت الأزمات، لأسبوعين أو أكثر، احتراماً للناس الذين صوتوا"؟.

يجعلك هذا السؤال في حيرة من أمرك. فعلاً هل يجوز أن تنتهي الإنتخابات الأحد، وتصدر النتائج الإثنين، ويُفقد الخبز الثلاثاء، وتعود الطوابير، ويتخطى الدولار سعر 30 ألف ليرة؟!.

تردد وزارة الإقتصاد دائماً مقولة أن الطحين متوفر ولا داعي للقلق، وتُشير مصادر بارزة في الوزارة عبر "النشرة" إلى أن هذه المقولة ليست كذباً، فالطحين موجود وإلا كيف تصنع الأفران الخبز، مشددة على أن المشكلة التي تحصل هي ارتفاع الطلب على الخبز بشكل جنوني خلال فترة قصيرة، وبالتالي ما يجري أمام الأفران ينطلق من إشاعة تقول بأن الخبز سينقطع، وهذا كفيل بخلق حالة من الهلع.

أما الدولار وارتفاع سعره الجنوني، فهناك من يتحدث عن علاقة المال الإنتخابي بهذا الارتفاع، فما صُرف "بالليرة" يوم الأحد في كل الدوائر تسبب برفع مستوى الطلب على شراء الدولار، وهذا ما أدّى للارتفاع الى ما فوق الـ30 ألف، وكلما ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء كلما ارتفعت أسعار المحروقات، والتبدل السريع لسعر الدولار هو ما يسبّب حالة الضياع في تحديد أسعارها، ما يؤدي الى تعطّل أو تباطؤ عملية البيع والتوزيع.

وعد أحدهم بأن حصوله على الاكثرية سيخفّض سعر الدولار، وهذا بالطبع لا يعدو كونه كلاماً انتخابياً لا يقدم ولا يؤخّر، ووعد غيره بأن مرحلة ما بعد الإنتخابات يُفترض أن تحمل تطورات إيجابيّة على لبنان، وهذا الكلام أيضاً يأتي في سياق التوقعات غير المبنيّة على معطيات واضحة حتى الساعة.

ما يبدو واضحاً أن "شعور المواطن" قبل 15 أيار ليس كما قبله، وبالتالي لا داعي لمراعاته من قبل القيمين على السلطة، ولا مشكلة بجلده، أقله لبضعة أشهر. سؤال صديقي في مكانه، إن لم تحترموا الناس حقاً، مثلوا عليهم.