قد تكون الصدمة الأساس، بعد ظهور نتائج الإنتخابات النيابية، هي عدم فوز تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" بالأكثرية، لا سيما أنّ غالبيّة التوقّعات كانت تصبّ بهذا الإتجاه، الأمر الذي قد يكون السبب الرئيسي فيه هو الفشل في إدارة المعارك في بعض الدوائر، خصوصاً صيدا جزين على سبيل المثال.

على الرغم من ذلك، قد يكون من المنطقي السؤال اليوم عن التداعيات التي كانت من المحتمل أن تترتب على هذا الفوز، لا سيما أن الخلافات بين أركان هذا الفريق كانت واضحة منذ ما قبل الإستحقاق الإنتخابي، لدرجة أنّ هناك من يعتبر من أبرز أسباب عرقلة عهد رئيس الجمهورية ميشال عون هو عدم القدرة على التعاون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

في هذا الإطار، من الضروري التذكير بأن أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله كان قد اعتبر، في الخطاب الأول بعد ظهور النتائج، أنه قد يكون من الأفضل للبلاد عدم فوز أيّ فريق بالأكثرية، بينما ذهب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل إلى الإعلان أن تكتل "لبنان القوي" ليس ضمن أيّ أكثرية ولا يمكن أن يحسب ضمن أيّ محور.

ما تقدّم، ظهر سريعاً عند طرح الإستحقاقات البرلمانيّة على بساط البحث، خصوصاً إنتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه، فـ"التيار الوطني الحر" لا يزال، حتى الساعة، يرفض الذهاب إلى إنتخاب نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي، حتى ولو قاد ذلك إلى فشله بالفوز بمنصب نائب رئيس المجلس النيابي، الأمر الذي يعني فوز بري بعدد قليل من الأصوات في ظلّ عدم وجود أيّ مرشح منافس له.

في هذا السياق، قد يكون من حق "التيار الوطني الحر" أن يقوم بهذه الخطوة، لا سيما أن بري كان قد رفض، في العام 2016، التصويت لصالح ميشال عون في الإنتخابات الرئاسيّة، وبالتالي هو عملياً يرد على ما كان قد قام به رئيس المجلس النيابي في ذلك الوقت، لكن في الصورة العامّة فإن هذا التحالف أثبت أنه غير موجود فعلياً، بل على العكس من ذلك المعركة بين أركانه أقصى من تلك التي تخاض مع أفرقاء آخرين.

هنا، من الضروري السؤال، باستثناء "حزب الله" الذي كان يخوض الإستحقاق الإنتخابي على أساس أنه إستفتاء على سلاح المقاومة، ما هو البرنامج الذي كان لدى هذا الفريق فيما لو فاز بالأكثرية النيابية، فبالإضلافة إلى الخلافات القائمة حول إنتخابات رئيس ونائب رئيس المجلس النيابي، لا يمكن الحديث عن أن هذا الفريق لديه مرشحاً واحداً لرئاسة الحكومة المقبلة، الأمر الذي كانت قد بدأت معالمه بالظهور منذ ما قبل فتح صناديق الإقتراع، كما أنه ليس لديه أي توجه واضح على مستوى السياسات المالية والإقتصادية على سبيل المثال لا الحصر.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن الجزم بأن هذا الواقع سيكون حاضراً في المرحلة التي تلي الإنتهاء من الإستحقاقات المتعلّقة بالمجلس النيابي، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على مستوى العلاقة بين أركان هذا الفريق، لا سيما أن لديه مرشّحان بارزان لرئاسة الجمهوريّة هما باسيل ورئيس تيّار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجيّة، بينما لا يبدو أنّ "حزب الله"، الذي سعى إلى الحدّ من هذه الخلافات، في الفترة الماضية، عبر جمع باسيل وفرنجيّة على مأدبة افطار وجمع "حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" في العديد من اللوائح الإنتخابية، قادر على تدوير الزوايا بين حلفائه.

في المحصّلة، هذا الواقع يدفع البعض إلى القول أنّ الحزب، الذي أعلن أنّ هناك أكثريّة نيّابية لحماية خياراته الإستراتيجيّة في المجلس النيابي، قد يكون في الوقت الراهن هو أكثر المرتاحين لعدم فوز فريقه بأكثريّة واضحة، كانت سترتّب عليه مسؤوليّات كبيرة وهموم كثيرة هو بغنى عنها.