من المفترض أن ينتهي المجلس النيابي اليوم من الاستحقاقات الأساسية المتعلقة به، بعد النتائج التي أفرزتها الإنتخابات الأخيرة، لتنتقل بعد ذلك الكرة إلى ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي عليه الدعوة إلى إستشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، بعد أن كانت حكومة نجيب ميقاتي الثالثة قد تحولت إلى حكومة تصريف أعمال.

من حيث المبدأ، الملف الحكومي هو التحدي الأبرز الذي تواجهه مختلف القوى السياسية راهنًا، لا سيما أن البرلمان الحالي لا يتضمّن أيّ أكثرية واضحة تسمح لأيّ تحالف سياسي بتشكيل حكومة وحيداً، بينما أيّ حكومة تُشكل من المرجح أن تستلم صلاحيات رئيس الجمهوريّة، في حال عدم التوافق على انتخاب رئيس جديد قبل إنتهاء ولاية عون.

من وجهة نظر مصادر سياسية مطلعة، الواقع البرلماني الحالي يفتح الباب أمام مجموعة من السيناريوهات، بعد أن كانت الترجيحات قبل الإنتخابات تصب في إتجاه إعادة تسمية ميقاتي، في ظلّ الدعم الذي يحظى به من قبل العديد من الجهات الدولية، خصوصاً بعد أن نجحت حكومته في تمرير ملفّات أساسية كانت مطلوبة منها، أبرزها الإتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي وإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، لا يزال ميقاتي الاسم الأكثر ترجيحاً في الوقت الراهن، لكنها تلفت إلى أنّ هذا الأمر يتطلب إجراء سلّة من التفاهمات كي ينجح في عملية التأليف، أبرزها مع قوى الأكثريّة النّيابية السابقة على شكل الحكومة، لا سيما أن أبرز أركانها، "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، قد لا يكونوا في وارد العودة إلى صيغة "التكنوقراط" أو "الاختصاصيين"، بالإضافة إلى إتفاق آخر مع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، كي يضمن نيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ التحدّي الأبرز الذي قد يعترض طريق ميقاتي قد يكون ما يتم التدوال به عن "فيتو" سعودي على عودته إلى السراي الحكومي، بالرغم من ترجحيها ألاّ يكون هذا الأمر صحيحاً، لكنّها تلفت إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سبق له أنه قبل المهمة، في مناسبتين سابقتين، من دون أن يكون قد حصل على ضوء أخضر من الرياض، وبالتالي من الممكن أن يكتفي بالضمانتين الأميركية والفرنسية.

على صعيد متصل، تتحدّث المصادر السياسية المطلعة عن وجود سيناريوهين آخرين من الممكن البحث فيهما، بالنسبة إلى عملية التكليف، الأول هو أن تنجح الكتل الأخرى في التوافق على اسم لرئاسة الحكومة، كالسفير السابق نواف سلام، من دون التفاهم مع قوى الأكثرية السابقة، الأمر الذي سيضعها لاحقاً أمام معضلة التأليف، نظراً إلى أنّ أيّ تشكيلة لا يمكن أن تبصر النور من دون توقيع رئيس الجمهورية، الّذي من المرجّح ألاّ يوافق على أيّ صيغة لا تحظى بموافقة كل من "التيار الوطني الحر" و"حزب الله".

بالنسبة إلى السيناريو الثاني، تشير المصادر نفسها إلى إمكانيّة أن يتم التوافق، في حال لم يكن هناك من فرصة لعودة ميقاتي، على شخصيّة أخرى لا يعترض عليها النواب من المستقلين والمعارضين، حتى ولو لم يتم ذلك بصورة رسمية أو علنية، أيّ أن تتمّ التسمية من دون تفاهمات مسبقة، وهنا من الممكن طرح اسم النائب عبد الرحمن البزري، الذي يعتبر من النوّاب المستقلين ولا يمثل إستفزازاً لقوى الثامن من آذار أو "التيار الوطني الحر"، لكن السؤال يبقى حول القدرة على التفاهم على الصيغة الحكومية.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بصعوبة تأليف أيّ حكومة جديدة، حتى لو تم تكليف رئيسها، من دون تفاهم مع قوى الأكثرية السابقة، الأمر الذي يدفعها، على الأقل حتى الآن، إلى ترجيح خيار بقاء حكومة تصريف الأعمال إلى ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ليأتي التوافق على اسم الرئيس والصيغة الحكوميّة معاً ضمن سلّة متكاملة، مع تشديدها على أنّ كلفة هذا السيناريو ستكون كبيرة جداً على المستويين المالي والاقتصادي.