رات مصادر سياسية متعددة الانتماءات إن رئيس الجمهورية ميشال عون يستبق دعوة النواب للاشتراك في الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة بوضع شروطه على الرئيس المكلف التي تأتي متطابقة للشروط الموضوعة من قبل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل. وكشفت لـ"الشرق الأوسط" أنه يشترط إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وإدراج بند التعيينات الإدارية على جدول أعمال الحكومة العتيدة فور نيلها ثقة المجلس النيابي واسترداد الأموال التي تم تحويلها بعد انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 من خلال البت بالتدقيق الجنائي.

ولفتت المصادر السياسية إلى أن إصرار عون على شروطه التي تلقى رفضاً من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يقف على رأس السباق لتشكيل الحكومة الجديدة كونه الأوفر حظاً لتأليفها، تعني حكماً أنه سيكون مضطراً للحفاظ على الشكل الدستوري بتسمية الرئيس المكلف بأكثرية نيابية من دون أن يعطيه الفرصة لتشكيلها ما لم يوافق سلفاً على شروطه. وأكدت أن عون وإن كان حدد الموعد لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة الخميس المقبل فإنه لا مفر أمامه من إنجازها لقطع الطريق على إقحام نفسه في اشتباك سياسي داخلي يمكن أن ينسحب على الدول المعنية في الحفاظ على استقرار لبنان ومساعدته في الخروج من التأزم السياسي والاقتصادي الذي يحاصره، وقالت إن الفريق السياسي المحسوب عليه يواصل اتصالاته بحثاً عن مرشح لتولي رئاسة الحكومة يلتزم مسبقاً بشروط رئيس الجمهورية ويلقى تأييداً نيابياً يؤهله لمنافسة ميقاتي.

ورأت أن هذا الفريق لم يصل إلى ما يصبو إليه لأنه يواجه صعوبة في تسويق المرشح البديل أكان من داخل البرلمان أو من خارجه، وقالت إن الترويج لترشيح سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة والعضو في المحكمة الدولية نواف سلام لتولي رئاسة الحكومة ليس في محله، ويأتي في سياق الحرتقة على ميقاتي، وعزت السبب إلى أنه اتخذ قراره بعدم الترشح، وأن مجرد الزج باسمه يبقى في حدود الرغبات التي يبديها هذا الطرف أو ذاك ولا تلزمه بشيء.

ميقاتي

وفي هذا السياق، نقل سفراء عرب وأجانب عن ميقاتي قوله إنه لا مجال لإنقاذ البلد إلا بإقرار خطة التعافي المالي والإصلاحات وإعادة تأهيل قطاع الكهرباء للوصول في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى بر الأمان.

كما نقل هؤلاء السفراء عنه قوله بأن من دون اقتران هذه الشروط بالأفعال لا بالأقوال يعني أن المطلوب من الرئيس المكلف تشكيل حكومة يراد منها إدارة الأزمة وتمديدها، فيما يقف البلد على مشارف الانهيار الشامل.

وأكد ميقاتي، بحسب قول هؤلاء السفراء، رفضه تولي رئاسة حكومة تشرف على إفلاس البلد وتبدد آخر ما تبقى من الآمال المعقودة على إنقاذه، ورأى أنه لا يتهرب من تحمل المسؤولية لكنه لن يستسلم للشروط من أي جهة جاءت، ومن يصر على شروطه فما عليه إلا أن يبحث عن شخصية أخرى لتولي رئاسة الحكومة.

تمهل عون

بدورها قالت مصادر نيابية لـ"الشرق الأوسط" إن تمهل عون بدعوة النواب للاستشارات الملزمة التي حددها الخميس المقبل يأتي استجابة لرغبة باسيل الذي يعكف مع بدء ولاية البرلمان المنتخب على جوجلة أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة، وأكدت أنه وضع لائحة بأسماء مرشحين معظمهم على صلة به ويدورون في فلكه السياسي، لكنه فوجئ بوجود صعوبة في تسويقهم لدى حلفائه، وتحديداً "حزب الله" الذي لا يعترض على إعادة تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة. ولفتت إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليس في وارد التناغم مع طروحات باسيل الذي يعرف موقفه جيداً، وكان تبلغه بالواسطة عبر حليفه "حزب الله"، وقالت إن منسوب التمديد لحكومة تصريف الأعمال إلى ارتفاع، وقد يكون الخيار الأوحد في حال أن عون لم يقتنع بأن شروطه لن تمر، وأن رهانه على تشكيل حكومة بأي ثمن سيواجه برفض من المرجعيات السنية، ولن يجد من يغطي مغامرته، وتحديداً من قبل الثنائي الشيعي الذي هو في غنى عن الانخراط في الدفاع عن خيار ليس من صنعه، وبالتالي ينأى بنفسه بأن يكون طرفاً في جر البلد إلى مسلسل من النزاعات السياسية.

الاستشارات

بدورها، ذكرت "الجمهورية" بان القصر الجمهوري أفرج أمس، عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، حيث تمّ تحديده يوم الخميس المقبل في 23 حزيران الجاري، أي بعد نحو اسبوع من الآن.

وخالف دفع موعد الاستشارات اسبوعاً اضافياً، كل التوقعات التي رجحت تحديد الموعد بعد زيارة الوسيط الاميركي، وهو الامر الذي أظهر على سطح المشهد السياسي جملة من التساؤلات حول سرّ هذا التأخير بالاستشارات، في الوقت الذي لا يختلف فيه اثنان على انّ الحاجة ملحّة للاستفادة من كل دقيقة، لتشكيل حكومة في وقت سريع تتصدّى للمهام الكثيرة التي تنتظرها.

لا إسم محسوماً

وإذا كانت الاوساط القريبة من القصر الجمهوري ترى انّ تحديد موعد الاستشارات خلال الاسبوع المقبل، هو موعد طبيعي لإفساح المجال امام النواب والقوى السياسية لحسم خياراتها وتحديد من تراه مناسباً لتشكيل الحكومة في هذه المرحلة، فإنّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع أكّدت لـ"الجمهورية" انّ "مردّ التأخير في هذه الاستشارات هو ما بات يسمّى بـ"صراع رغبات" بين اطراف يسعى كل منها لفرض شخصية تلائمها لتشكيل حكومة ما تبقّى من عهد الرئيس ميشال عون، وربما حكومة ما بعد العهد".

وبحسب الأجواء السائدة عشية الاستشارات فإنّ سحابة من الغبار السياسي تحجب مشهد التكليف، والوجهة التي ستسلكها اختيارات النواب في استشارات يوم الخميس. وإذا كان نجيب ميقاتي ما زال يتصدّر نادي المرشّحين لتشكيل الحكومة الجديدة، الّا انّ حركة الاتصالات الجارية حول هذا الاستحقاق، وكما يكشف مطلعون على أجوائها لـ"الجمهورية"، تعكس توجّهات مختلفة ومتصادمة:

الأول، ثنائي حركة "امل" و"حزب الله" وحلفاؤهما، إضافة الى عدد من النواب المستقلين، مع إعادة تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة.

الثاني، "التيار الوطني الحر"، الذي حسم رئيسه جبران باسيل رفض تسمية ميقاتي. وثمة من يتحدث عن ميله لتسمية شخصية جديدة لم يسبق لها ان خاضت تجربة رئاسة الحكومة.

الثالث، "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، اللذان اعلن رئيس حزب "القوات" سمير جعجع قبل ايام قليلة انّهما نسّقا موقفيهما حيال الاستحقاق الحكومي، وثمة من يتحدث عن ميلهما لتسمية السفير السابق نواف سلام.

الرابع، "نواب التغيير"، وكذلك "حزب الكتائب"، فقد حسما موقفهما مسبقاً من عدم المشاركة في الحكومة، وبالتالي عدم تسمية ميقاتي.

أمام هذه التوجهات المتناقضة، تلفت مصادر سياسية عبر "الجمهورية"، الى انّه بعدما هدأت عاصفة ملف الترسيم، يبدو انّ لبنان مقبل على عاصفة حكومية.

واشارت المصادر الى انّ ميقاتي يبقى الأوفر حظاً حتى الآن في إمكان اعادة تكليفه تشكيل الحكومة، وخصوصاً انّه يحظى بأصوات الاكثرية النيابية، التي صوّتت للرئيس نبيه بري في جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس.

الّا انّ مصادر اخرى لفتت "الى إمكان تعذّر ذلك في حال برزت مداخلات من جهة ما، لإشعال معركة على حلبة الاستشارات الملزمة، جوهرها عدم تكريس أكثرية جديدة في مجلس النواب، وذلك عبر مبادرة القوى السيادية والتغييرية الى الردّ على انتخابات رئاسة مجلس النواب ومحاولة التعويض عن الخسارة المعنوية التي مُنيت بها"، وتحت عنوان: "أخذتم في رئاسة المجلس النيابي، وسنأخذ في رئاسة الحكومة".

ودعت المصادر في هذا السياق، إلى رصد وجهة موقف "اللقاء الديموقراطي" من ميقاتي، حيث انّه حتى الآن، ليس في الإمكان الحسم بأنّ موقف "اللقاء" يميل الى إعادة تسمية ميقاتي، وخصوصاً انّ رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، لطالما عبّر عن تأييده تسمية السفير نواف سلام، وهو الامر الذي ينطبق ايضاً على "القوات اللبنانية".

الاستشارات الملزمة

وفي الشأن السياسي والحكومي، أوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" أنه مع توجيه الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، تبدأ مرحلة ترتيب الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة وتتجه الكتل النيابية إلى جوجلة المقترحات مع العلم أنه حتى الآن ما من خيارات متعددة في ما خص الأسماء المرشحة.

ولفتت إلى أنه في خلال الأيام الفاصلة عن موعد الاستشارات الخميس المقبل، قد تفتح قنوات الاتصال بشأن التكليف والتأليف.

وأفادت أنه مهما كان عدد الأصوات التي تحصل عليها الشخصية التي تكلف رئاسة الحكومة، فإنه لا يمكن اعتبار تكليفها غير ميثاقي وكذلك الأمر في حال امتنعت كتل مسيحية عن التسمية، مذكرة بأن الرئيس نجيب ميقاتي لم يحصل على أصوات كتلتي التيار الوطني الحر واالقوات اللبنانية.

إلى ذلك، قالت أن جدول الاستشارات والذي تضمن حضور نواب التغيير بشكل منفرد قد يدرج في إطار الاستقلالية أو حرية الخيارات أو ربما انقساما في الراي، مسيرة إلى انه لا بد من انتظار بعض الوقت.

واعتبرت مصادر سياسية ان تأخير رئيس الجمهورية ميشال عون تحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، لاكثر من شهر بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ومن دون مبررات، أو حجج مقنعة، يطرح تساؤلات عن نوايا وتوجهات ملتبسة، والخشية من عقد وعراقيل مفتعلة، قد تعيق تشكيل الحكومة الجديدة، بالسرعة المطلوبة.

واعتبرت المصادر ان اعلان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بان تكتله لن يسمِ ميقاتي الذي يتقدم على كل الاسماء المرشحة لرئاسة الحكومة، يعني سلفا ،انه سيضع العصي بدواليب التأليف، وبالتالي لن تكون ولادة الحكومة العتيدة ميسرة،بل معقدة، وصعبة، و هذا يعني إن البلد كله مقبل على اوضاع صعبة، وعلى فراغ، يتخطى رئاسة الحكومة، الى مابعدها، اي الى انتخابات رئاسة الجمهورية.

بولا يعقوبيان

لكن لوحظ ان الدعوة للإستشارات اوردت اسماء كل نواب قوى التغيير والمستقلين منفردين وليس ضمن كتلة واحدة.

وذكرت عضو نواب مجموعة قوى التغيير بولا يعقوبيان لـ"اللواء" انه لم يجرِ اي اتصال بين دوائر القصر وبين المجموعة لتحديد موعدها للإستشارات او للذهاب ككتلة واحدة او كنواب منفردين، وان المجموعة لم تتخذ قرارها بعد بالنسبة للموقف من تسمية رئيس الحكومة وهناك متسع من الوقت خلال مهلة الاسبوع المتبقية. وقالت: اذا تم التوافق بين كل نواب المجموعة على الموقف وتسمية شخصية معينة فلا شك اننا سنطلب ان نتوجه للإستشارات ككتلة، واذا حصلت تباينات نشارك كنواب منفردين.