تدهشني براءة الأطفال، التي لا غشّ فيها ولا رياء. إنّها مرتعٌ لكلّ إنسان يتقصّد أن يعيش فرح الحياة وسلام الله. من أفضل الأوقات وألطفها تلك التي تجمعني بأسرة الطفولة في حركة الشبيبة الأرثوذكسية، ضمن رعايا أخدم فيها. إنّه وقتٌ مناسب مع هؤلاء الأولاد، لنعيش وإيّاهم سلام الله، الذين يحرّكهم الروح ببركة يسوع المسيح القائل: "دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ"(لوقا 18: 16).

براءةُ الأطفال يقابلُها إثم الكبار، ولا سيما المسؤولين والقيّمين على هذه البلاد، الذين بسبب سياساتهم الرعناء أوصلونا إلى تشرذم العائلات، وباتت تفتّش عن مصدر عيش لتعوّض ما خسرته من أموال وأعمال، كنتيجة لما أفسده النظام السياسي في إدارة شؤون البلاد.

يبقى الأمل والرجاء، إذًا، ببراءة الأطفال، أو الأولاد.

المسيح اهتم بالأطفال، ونبّه تلاميذه ليتركوهم للاقتراب إليه وباركهم، بل أعلن حقيقة هامة وهي تميّزهم في طباعهم عن الكبار، وأن من لهم هذه الطباع من البراءة والمحبّة للآخرين، وتقدير إهتمام من حولهم، هم المؤهّلون لدخول ملكوت السموات. لا بد من الإشارة، إلى أن السيّد المسيح لم يقل لهؤلاء الأطفال، بل لمثل هؤلاء، أي من له طباع الأطفال من الكبار وليس فقط الأطفال.

من يملك براءة الأطفال ينجو من حيل الشرّير، فالأولاد لا يحملون الحقد والضغائن وحب الإنتقام. ويحضر أمامي أحد الأولاد المنتسبين لحركة الشبيبة، حيث رفض التواصل مع والده المسافر، ظانًا انه هجرهم. وفهم فيما بعد أن والده يعمل في الاغتراب لتأمين معيشتهم، فقرّر هذا الولد مساعدة والده يستطيع العودة إليهم، ولذا أقدم، بطهارته وبراءته، على التفكير بوسائل إنتاج تؤهّل والده العودة إلى الديار والاستغناء عن الإغتراب، ليكون معهم وإلى جانبهم، دون أن يحمل حقدًا تجاه مَن أوصل والده إلى السفر، بحثًا عن لقمة عيش.

لكي نحصّن النشئ الصاعد، وجب على المؤسسات التربوية والمناهج التعليمية، أن تعمل بشكل فعّال على توجيه الأولاد في بدايات صفوفهم المدرسية، ولا سيما من خلال مادة التربية، التي يعتبرها، وللأسف، بعض الطلّاب في الصفوف المتقدمة، كمادة إجبارية، لأن واقع البلد يعاكس ما يتعلّمونه ويتلقّنوه في مناهجهم، لكن لا بد من تفعيل هذه المادة بقوة، دون أن نتراخى بالتربية البيتيّة، على أهميتها.

بالمقابل، للمؤسسات الدينية على أنواعها، أن تهتم بمراقبة الجيل الصاعد وتسهر على تفعيل روح البراءة في قلوب هؤلاء الأولاد، دون أن ننسى دور الأهل في عدم زرع روح الانتقام والحقد في قلوب أطفالهم، تجاه القريبين والبعيدين.

من هنا تبدأ القصّة، فإذا زرعنا في أولادنا الكره والحقد سنحصد الإثم، أما إذا زرعنا فيهم المحبة والبراءة سنحصد الخير والسلام. كما تزرع تحصد. وقد علّمنا بولس الرسول ان: "اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ"(رومية 12: 9). والخير الذي تحدّث عنه الرسول بولس، نترجمه مع الضعفاء، وكم من ضعيف بيننا ومحتاج في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعاني منها. كلّنا مدعوون لأن نكون إلى جانب المستضعَفين الذين هم أحباء الله. من هنا فإنّ امتلاكنا لقلب الأطفال هو مفتاح للمساعدة والوقوف إلى جانب الضعفاء.

رجائي أن يزداد عدد الأشخاص، الذين يملكون قلب وفكر وبراءة الأطفال، علّنا نستطيع مع الوقت، وبقوة العلي، أن نتغلّب على الأشرار، الذين لا يعرفون من هذه الدنيا، إلا السلطة والتسلّط واستعباد الناس، علّنا مع الوقت نحافظ على وحدة العائلات لا تشرذمها.