قبل فترة، اثرنا موضوع التجنيس، وتحدثنا عن رائحة مرسوم تفوح. لم يكن في حينه قد تصاعدت حدّة الخبر الى درجة دفعت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية الى الاضاءة عليه. ومع الاحترام للجميع، وعلى الرغم من كل ما قيل والمطالبات باعتذارات علنية وغيره من الصحيفة، فإن الكثير من المصادر والمعلومات تصب في خانة وجود مثل هذا المرسوم، اما الرغبة في المضي به فأمر آخر. وتجمع مصادر سياسية رفيعة، انه لو كانت الاجواء اكثر ليونة بين المعنيين، لكان المرسوم في مكان آخر اليوم ولسلك طريقه بأمان نحو التنفيذ، بغض النظر عن احقّية من يحمله من اسماء لطالبي التجنيس من جهة، او وجود شبهات حول منافع مادّية كبيرة لبعض الاشخاص عملوا على التأكّد من حصولهم على منافع مادّية جراء هذه العملية.

وعلى خط آخر، اثير ايضاً موضوع استعادة الجنسية للبنانيين والذي لا يحتاج الا الى التوقيع، ولكنه عالق ايضاً بسبب الخلافات السياسية بعد ان تخطى كل العقبات الاجرائيّة الاخرى، الا ان المشكلة ليست سياسية فقط بل طائفية ايضاً، كونها تضع البعض من المسؤولين في خانة الاحراج للتوقيع على مرسوم لا يراعي مصلحة طائفتهم والذي سينعكس حتماً على امور كثيرة واولها الانتخابات النيابية، خصوصاً بعد ان ذاق اللبنانيون والمغتربون طعم المشاركة الانتخابيّة من خارج لبنان، وتلذّذت الاحزاب والتيارات السياسية في اثبات قدرتها على التأثير على المغتربين في تلك الدول.

وبالتالي، يمكن القول ان التجنيس يأتي في وقت غير مناسب كلياً، ومن انتظر ان يأتيه الفرج قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، تعرض لخيبة لان الخلافات السياسية حالت دون تحقيق رغبته، كما ان من ينتظر ان يستعيد جنسيته بعد انتهاء كل المعاملات الادارية، شعر ايضاً بخيبة لان الخلافات السياسية والطائفية حالت دون وصوله الى غايته، علماً ان هذا القسم من اللبنانيين انما يرغب في الجنسية لارضاء الذات والحفاظ على التقاليد، لان الغالبية الساحقة من الاسماء الموجودة تعيش في دول الاغتراب طوال حياتها ولا تأتي الى لبنان الا من اجل السياحة والحفاظ على بعض الروابط العائلية، ومنها من لم يزر لبنان بعد.

اثارة موضوع مروم التجنيس اليوم، افاد البعض الذي رأى فيه منصة يصعد عليها للنجاة من الغرق السياسي، وللقول انه لن يوقع من باب المبادئ والقيم وغيرها، فيما الحقيقة المرة ان التوقيع كان سيحصل لو توافر الانسجام السياسي والطائفي قبل اي شيء آخر، على غرار المراسيم التي كانت توقّع سابقاً، وما اكثرها، والتي كانت تجد من يضعها دائماً في قفص الاتهام قبل ان تعيّن محامياً باهراً هو التوافق السياسي والطائفي الذي كان يذلل العقبات واحدة تلو الاخرى وبسرعة كبيرة، ليخرج المرسوم موقعاً ويبصر النور بطريقة طبيعية.

وبين هذا وذاك، يرغب اللبنانيون في مشاهدة كل "الاقوياء" الذين يجاهرون بمبادئهم والتزامهم القانون والمصلحة اللبنانية العامة، يقفون ولو لمرة وراء مرسوم سحب الجنسية من غير مستحقّيها، وما اكثرهم ايضاً، ولكن المنافع تكمّ الافواه وتقيّد الايادي. وعليه، فإن ما يبدو اليوم معرقَلاً، سيجد طريقه في الغد الى التنفيذ، ولو تأخر بعض الوقت، وسيكون المرسوم جاهزاً بعد تخطي العقبات والخلافات السياسية، وسيستقبل لبنان دفعة جديدة من المجنّسين (من المستحقّين ومن غير المستحقّين)، علّهم يعوّضون غياب اللبنانيين الذين يلهثون وراء جنسية اخرى تؤمّن لهم الخروج من لبنان الى دول اكثر احتراماً للقانون وللانسان، ولا يكون هناك من "شدّ حبال" للحصول على جنسية، بل قواعد واطر لا بد من احترامها، وليكون تخطيها في حالات نادرة واستثنائية ونسبة اقل بكثير من تلك السائدة في لبنان.