ملفان بات موعدهما اقرب من غيرهما، واستحوذا على الاهتمام هما ملف ترسيم الحدود البحرية وملف تشكيل الحكومة. وعلى الرغم من اهمية الملفات الاخرى وفي مقدمها الملف المعيشي والاقتصادي والمالي، فإن الملفين المذكورين فرضا نفسيهما على الساحة، وباتا الاكثر تداولاً، مع انقسام كبير في الرأي حول مدى تقدمهما او تراجعهما. وفق ما يحكى في الاعلام، فإن انفراجاً طرأ على الملفين وباتا اكثر حيوية بعد ان كانا غارقين في سبات توقعه الكثيرون عميقاً، اما في الصالونات السياسية فالحديث يختلف تماماً. وما يقال في السر ان كل ما يحكى عن تفاؤل او تقدم، لا يعكس الحقيقة، وان الامور تتجه الى الابقاء على "الستاتيكو" الحالي، مع احتمال كبير ان يحدث خرق ما على الخط الحكومي انما قبل ايام قليلة على نهاية ولاية رئيس الجمهورية وليس قبل ذلك الحين. ويعزو اصحاب هذه النظرية توقعاتهم، الى ان حزب الله شغل محركاته وبدأ الضغط على من "يمون" عليهم للاسراع في هذه العمليّة، انما في حدود معيّنة ولم يصل الى حدود الضغوط العالية. وفي اعتقاد مؤيدي هذه النظرية، ان الحزب يستعمل سياسة النفس الطويل، وينتظر الى ان تصل الامور الى حدود الاوقات النهائية ونضوج الضوء الاخضر الاقليمي والدولي، كي يزيد من ضغوطه الى الحدود التي تضمن تقديم التنازلات اللازمة من قبل الاطراف المعنية والوصول الى حكومة قبل مغادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قصر بعبدا ويتحول الى رئيس سابق.

ويتابع هؤلاء ان ما يمكن ملاحظته، هو انه في ملف الترسيم الحدودي، يظهر بما لا يقبل الشك ان الامور انتهت عملياً ولا تحتاج الا الى سيناريو يضعها في الاطار الرسمي، وما التهويل من هنا او هناك الا ضمن سياق ما تتطلبه مثل هذه المفاوضات، ولضمان تمرير الوقت الذي ينقضي بسرعة، وربما تنجلي الامور بعد انتهاء ولاية عون، مخافة تجيير هذا الاستحقاق له على بعد ايام قليلة من نهاية عهده، فيحصد في ايام قليلة ما عجز عن الحصول عليه طوال ستّ سنوات، ولعل المتضرر الاكبر من هذا الامر سيكون رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يردّد ليل نهار انه "عرّاب" الصيغة التي ادّت الى الوصول الى تسوية (غير معلنة وغير رسمية بعد)، ولن يقبل بالتفريط بهذا الامر كرمى لعيون احد وبالاخص لعون. واذا كانت الامور ميسّرة نظرياً، فإنها لا تزال معقدة فعلياً على خطي الترسيم والتشكيل، غير ان المتفائلين ليسوا بقليلين خصوصاً وان الفترة التي يحدّدونها قبل انفراج الامور على خط المسارين المذكورين، لا تعدو سوى اسابيع قليلة، ومن انتظر اشهراً وسنوات يمكنه انتظار ايام قليلة. وهذا ما يمكن تفسيره ايضاً عبر الكلام العالي الذي صدر عن برّي بالامس، والذي كان واضحاً فيه عدم رغبته بالتعاون في ما خص الانتخابات الرئاسيّة، وعدم قبوله بما يريده النائب جبران باسيل، ولكن هناك مشكلة اساسية تتمثل بحزب الله الذي يربط الخطوط ويحددها.

وعليه، فإنه في مقابل التفاؤل السائد عند البعض بالعلن، هناك تشاؤم واضح يسود بالسر، ويصحّ استعمال تعبير "التشاؤل" و"التفاؤم" لوصف ما يجري على خطّي الحكومة والترسيم، لانها اكثر دقة للتعبير عن التخبط السائد والصراع الظاهر والخفي في آن، على امل الا يطول لان انعكاساته تطال الجميع في وقت يزداد الضغط في ملفّات اخرى على المواطنين، مع فارق مهمّ وهو ان احداً لا يبدو انه معنيّ بالموضوع، لانه سياسياً لا مردود له على عكس الملفين المذكورين آنفاً.